قبل أيام معدودة اصطدمت وقتلت سيارة ذاتية القيادة أحد المشاة، السيارة نفسها لم تبدي أي تخفيف للسرعة، ولم يتدخل حتى السائق الجالس خلف المقود لإيقاف نظام القيادة الآلي للحيلولة دون الاصطدام. هذا الخبر الحزين أثار موجة من التساؤلات عن مدى أمن وسلامة هذه المركبات ذاتية القيادة، وتعكف الشركة أوبر «Uber» والجهات المختصة بالولايات المتحدة لتحليل هذا الحادث المميت.

كان الهدف الأساسي من صناعة السيارات ذاتية القيادة هو التقليل من الخطأ البشري من خلال تجهيز هذه السيارات بالمجسات «Sensors» والتقنيات الذكية القادرة على تنفيذ الأوامر واتخاذ القرارات بصورة سريعة وذاتية تتفوق بالكثير على قدرة البشر، وبالتالي ستسير السيارة بصورة آمنه جداً. هذا الحادث حث ما لا يقل عن 18 شركة تعمل حول العالم لتصنيع السيارات ذاتية القيادة إلى استدراك مدى جدوى السيارات ذاتية القيادة.

النظام المتطور الذي يسمح للسيارة بالقيادة الذاتية يرتكز على القوانين الأساسية الثلاثة للرجل الآلي والتي تتمحور حول إتباع الأوامر والحفاظ على سلامة وحياة البشر. في هذا الحادث القاتل خالف الذكاء الاصطناعي لهذه السيارة أحد هذه القوانين. العديد من التساؤلات تفرض نفسها مثلما كان سبب الحادث في الأصل ومن سيتحمل مسؤولية الحادث، هل السائق أو شركة التأمين أو الشركة المصنعة للسيارة أو الشركة المبرمجة للذكاء الاصطناعي. شكك هذا الحادث بفرضية أن استعمال وتطبيق الذكاء الاصطناعي سيقلل الحوادث والأخطاء المميتة، وباتت فرضية قابلة للنقاش.

فالإنسان يتمتع بقدرة كبيرة على التأقلم وتغيير نمط حياته حسب المتغيرات التي يعايشها، وهذا بالتالي يشكل تحديا لذكاء هذه السيارات التي ستشاركنا الطرق. وفي عالم يكثر فيه الروبوتات سوف يتكل بكل تأكيد البشر اتكالاً كبيراً على قدرات الروبوتات ويثق في قراراتها بل وقد يضع حياته رهن قراراتها. هذا من شأنه أن يخل بتوازن معادلات الفرضيات والاحتمالات التي تستخدمها السيارات ذاتية القيادة لاتخاذ القرارات المعقدة للسياقة بأمن وسلام.

هذا الحادث هو نافذة لما علينا أن نتوقعه في عالم المستقبل. ذاك العالم الذي لا تقتصر فيه الهجمات الإلكترونية على تخريب بعض من الأجهزة الحاسب الآلي والخوادم «Servers»، بل يتداخل ويمتزج الأمن الإلكتروني بالأمن الواقعي. من منا عليه أن يتأقلم ويواكب الآخر الإنسان أم السيارات الذكية، هذا السؤال الذي علينا أن نجد له جواب كي لا نقود صناعة السيارات الذكية نحو المجهول. فبالإضافة إلى تصميم الشوارع التي تتناسب مع السيارات ذاتية القيادة وتطوير صناعة السيارات والذكاء الاصطناعي، علينا إعادة التفكير في قوانين المرور والتأمين على المركبات.

* جامعة البحرين