لن أطيل عليكم بسرد فوائد التعليم الإلكتروني وأهدافه التعليمية فالكل يعرفها ويدرك أن أعداد المتعلمين عبر هذه المنظومة في تزايد مطرد، فقد تضاعفت أعداد الطلبة الملتحقين في هذا النظام حول العالم في سنة 2016. ولكن على مؤسسات التعليم والتدريب أن تدرك أن توفير التعليم الإلكتروني ليس مجرد وسيلة سهلة لجني المزيد من الأرباح من خلال خفض النفقات والوصول إلى أعداد أكبر من الطلبة من حول العالم. التعليم الإلكتروني أصبح أسلوباً للحياة، فمع توفر الأجهزة الذكية دخل التعليم إلى أيادي كل الناس. إن استمرارية تطبيق الطرق والبرامج التعليمية المصممة لأيام الريشة والمحبرة والكتابة على الجلود والأحجار في عصرنا هذا تحتم نتيجة واحدة فقط، ألا وهي هدم صرح التعليم نفسه، وغياب منطقة الخليج والبحرين بالتحديد عن ساحة التعليم الإلكتروني، وهذا يدعو بلا شك إلى الاستغراب. فعلى الرغم من تصدر دول المنطقة مؤشرات نضوج البنى التحتية في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات ووجود مؤسسات تعليمية محلية ودولية حاصلة على الاعتمادات الدولية، يظل طرح البرامج التي تنتهج التعليم الإلكتروني ضئيلاً ومغيباً تقريباً.

كبرى الجامعات وخصوصاً في الولايات المتحدة متيقنة من أن شكل ودور الجامعات والأكاديميين في المستقبل سوف يأخذ منحى آخر بفضل هذه التقنيات، وهي الآن أكبر راعٍ لطرح البرامج الدراسية المفتوحة على الإنترنت «MOOC». برامج هذه الجامعات تستوعب في المتوسط 43000 طالب من كل أنحاء العالم في كل دفعة. يحيط بهذه البرامج الكثير من الجدل، حيث لا يتخرج من هذه البرامج إلا قدر محدود بل ضئيل من الطلبة. قد توحي هذه المعلومة للوهلة الأولى بفشل التعليم الإلكتروني، ولكن عند إعادة النظر نكتشف أن الفشل الحقيقي هو نتيجة إجبار تشكيل المنظومة التعليمية التقليدية في قالب المنظومة الإلكترونية. المشكلة الثانية هي أن معظم الطلبة والمدرسين على حد سواء يتصرفون في المنظومة الإلكترونية كما يتصرفون في التعليم التقليدي من حيث نمط الدراسة والتعليم واستخدام الأساليب التعليمية والتربوية. أخيراً وليس آخراً، لنكن واقعيين كم من أرباب العمل اليوم سوف يفاضل خريج التعليم الإلكتروني على نظيره من التعليم التقليدي؟

الصفوف والصروح التعليمية لن تكون معياراً للتفاخر والتميز في المستقبل القريب، بل الخدمات التعليمية المبتكرة التي تتميز بقدرتها على جذب الطلبة وتوفير المعرفة والمهارات لهم بسهولة. المتعلم اليوم يستطيع ليس فقط اختيار الزمان والمكان للتعلم بل يستطيع استسقاء العلوم والمعرفة من أفضل العلماء والدروس المطروحة من أفضل الجامعات المرموقة، وحتى تحصيل الشهادات منها. هذا لن يترك لأرباب العمل المجال للمفاضلة، فالاختيار واضح وضوح الشمس، والكفة ترجح الخريج الذي لديه من المخرجات التعليمية التي ستزيد من تنافسية وربحية المصانع والشركات والمؤسسات. دور وتركيز مؤسسات التعليم والتدريب سوف يأخذ طابعاً يختلف عن هموم بناء الصفوف والمرافق وكلفة صيانتها وتوظيف الكوادر التعليمية والإدارية إلى الاهتمام بصقل مهارات المتعلمين من خلال المناهج والمحتوى الدراسي المبتكر والذي يواكب نمط حياتنا السريع والمتغير الذي نعيشه.

* باحث في مجالات إنترنت المستقبل - جامعة البحرين