أن تتحول بلاد ما في وقت قصير من كونها دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية، تساهم الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي، ولتصل نسبة صادراتها من السلع المصنعة لديها 85% من إجمالي الصادرات، فإن ذلك يحتاج لأحد أمرين، معجزة أو «مهاتير». ولذلك كان مهاتير محمد -الذي قاد الجبهة الوطنية والحكومة الماليزية بين عامي 1981 و2003- قائد النهضة الصناعية في ماليزيا خلال التسعينات من القرن الماضي.

ما يميز مهاتير محمد أنه الرجل الأقوى في ماليزيا، والذي أثبت للعالم أنه مازال في أوج عطائه رغم بلوغه الـ92 عاماً وغيابه عن العمل السياسي الرسمي قرابة الـ15 عاماً. أعادته للحكم نتيجة انتخابات فاقت كل التوقعات، فلم تكن عودته لقيادة حزبه عودة عادية، إذ ضاق الشعب الماليزي ذرعاً من القرارات الحكومية التي أدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، عقب إلغاء دعم المحروقات وفرض ضريبة نسبتها 6% على السلع والخدمات. الأمر الذي جعل نجيب -الذي أطاح به الفساد- غريماً لمهاتير في الانتخابات، ولهذا خاض مهاتير المعترك متسلحاً بالإيمان بضرورة إحداث انقلاب ديمقراطي، وأن يعاقب الحزب الحاكم وزعيمه نجيب عبدالرزاق على ما أحدثوه في البلاد جرّاء سوء الأداء خلال عقدها الأخير.

وكان مهاتير قد قال عن غريمه نجيب إنه كان زعيماً متفرداً، لكنه للأسف كان مختلفاً تماماً عنه، وظن أن بمقدوره فعل أي شيء بالمال، ولأنه لم يكن يملك هذا المال فقد قام بسرقته..!!! ويضيف مهاتير أنه حاول نصيحة نجيب وتوجيهه مراراً لكن دون جدوى، فلم يكن أمامه ثمة خيار سوى التصدي له. جاء مهاتير في وقت خشي فيه اختلال المعادلة السياسية أو ما يسمى بالعقد الاجتماعي بين الملاويين والعرقيتين الصينية والهندية، ذوات الحقوق الأقل في ماليزيا.

اختلاج النبض:

من التجربة الماليزية يلزمنا ثلاث نقاط «النجاح، والفساد، والعقد الاجتماعي بين مكونات المجتمع الماليزي». ورغم أنه من السهل ظهور مهاتير جديد في عالمنا العربي، إلاَّ أنه مازال صعباً على مهاتير العربي أن يتبنى خارطة الطريق لتحقيق النجاح والقضاء على الفساد ودعم الوحدة الوطنية كما حدث في ماليزيا، على الرغم من التشابه الذي يجمعنا مع ماليزيا في أوجه كثيرة يأتي في مقدمتها كونها بلداً مسلماً.