ما إن بدأت فعاليات مؤتمر البترول الثاني في بيروت أكتوبر 1960، حتى لفت رئيس الوفد السعودي الأربعيني أنظار الجميع إليه بحججه المفحمة ومنطقه السديد، خصوصاً عندما تواجه مع ممثل شركة أرامكو المستر بروم.

عبدالله الطريقي، الذي أصبح أول وزير للبترول في بلاده بعد نحو شهرين من أعمال المؤتمر، كشف حينها عن أن إدارة شركة أرامكو قامت بعملية تحايل محاسبي في الأرباح بلغت ما مقداره خمسة مليارات ونصف، صُنفت على أساس تكاليف نقل. جن جنون المستر بروم الذي حاول نفي طرح الطريقي بدفعه أن أرباح الشركة خلال سبع سنوات ونصف قُدرت بـ213 مليون دولار فقط. الطريقي لوح بأوراق رسمية من مقر الشركة الرئيس، مردفاً أن رجال أرامكو لم تصلهم أرقام ومعلومات شركتهم الأم. دوى تصفيق حار تبعته تهاني الوفود المشاركة لموقف الطريقي الصارم. هكذا كانت الأجواء حين ظهور «الأوبك» إلى فضاء التنظيم الدولي.

جزء من قصة إنشاء الأوبك كان من عند الصحافية الأشهر في مجال النفط حينها واندا جابلونسكي. في كواليس مؤتمر البترول الأول المنعقد في القاهرة أبريل 1959، جمعت واندا بين كل من الطريقي الذي وصفته بـ«الرجل رقم واحد» ووزير النفط والتعدين الفنزويلي خوان بابلو بيريز ألفونسو أو «غريب الأطوار» حسب وصف واندا ذاتها. اتفق الرجلان خلال اجتماعهما «غير الرسمي» الذي هيأته واندا في غرفة بفندق «هيلتون القاهرة» تطل على النيل، على أن شركات النفط والحكومات الغربية تتحكم في الأسعار دون مراعاة مصالح الدول المصدرة للنفط، وبالتالي يجب العمل على إيقاف هذا التحكم بإنشاء تكتل للدول المصدرة للنفط بحيث يكون لهذه الأخيرة الكلمة الفصل في تحديد الأسعار بدلاً من أن تكون تحت رحمة الشركات والحكومات الغربية. هذا التوجه كان مطروحاً على المستوى الرسمي في مؤتمر القاهرة، إلا أنه لم يلقَ الالتفات الجاد من شركات النفط والحكومات الغربية التي عمدت في أغسطس 1960 إلى خفض أسعار البترول ما بين 4 إلى 14 سنتاً عن البرميل، ما أوصل الدول المصدرة إلى اجتماع بغداد بعد شهر واحد من هذه الواقعة، حيث تقرر إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط «الأوبك» بعضوية أصلية لكل من، فنزويلا، السعودية، إيران، العراق، الكويت.

قبل استقلال البحرين، كانت الإمارة ترنو إلى عضوية الأوبك التي سمحت أنظمتها بعضوية الدول ناقصة السيادة. لكن إيران كانت عائقاً أمام نيل العضوية، وذلك بحكم حق الفيتو الذي تتمتع به في قبول انضمام الدول إلى المنظمة، باعتبارها إحدى الدول الخمس المؤسسة التي خول لها النظام الأساسي هذا الحق. وكانت الحجة حينها تتمثل في أن البحرين ولاية تابعة لإيران فُصلت عنها «... قبل 150 عاماً نتيجة للسياسة الاستعمارية التي كانت الحكومة البريطانية تنتهجها...»، حسب لفظ ممثل إيران في مداخلته المسجلة في التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة عن أعمال المنظمة من 16 يونيو 1969 إلى 15 يونيو 1970.

هذا الادعاء سقط واندحر، إذ إنه مع تاريخ 11 مايو 1970 كان قرار مجلس الأمن رقم 278 الصادر بالإجماع قد أكد أن «... الأغلبية الساحقة من شعب البحرين ترغب في الاعتراف بهويتها في دولة كاملة الاستقلال...». وعلى ذلك، جاء إعلان الاستقلال في 14 أغسطس 1971.

رغم الاستقلال، أصر الجانب الإيراني على رفع «فيتو» رفض البحرين في الأوبك، لكنه هذه المرة استند إلى كون الإنتاج النفطي البحريني لا يذكر في مقاييس الصادرات النفطية العالمية. هذا الشرط محل نظر، فإندونيسيا التي انضمت إلى الأوبك في 1962 كانت منذ 2004 تستورد النفط من السعودية وإيران والكويت، وظلت على هذا الوضع إلى أن علقت عضويتها في 2009.

اليوم بعد الإعلان عن اكتشاف حقل النفط الصخري الهائل في البحرين الذي تصل احتياطاته إلى ما لا يقل عن 80 مليار برميل نفط وما بين 10 إلى 20 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، يسقط سبب الفيتو الإيراني المبني على شح المخزون والإنتاج البحرينيين.

فهل يمكن القول إن الطريق إلى الأوبك أصبح مفتوحاً أمام المملكة الآن أم أن الصلف الإيراني يعاود تكرار نفسه لكن دون «ورقة توت» تخفي عورة سياسته العوراء؟ سؤال جوابه في تداول الأيام المقبلة.