الملازم ميرزا بيك، هندي الجنسية، حازم في امتحانات السياقة، كان يمتحن ابنة المهندس عبدالرزاق في أحد أيام عام 1966. بدا الامتحان عصيباً، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لأمينة عبدالرزاق التي كانت مصممة على النجاح رغم أن الممتحن اضطرها إلى إعادة تجربة إرجاع السيارة للخلف ست مرات نجحت فيها كلها، ومن ثم نالت أمينة رخصة السياقة.

لم تكن هذه الرخصة الأولى من نوعها في البحرين، ففي الخمسينيات من القرن المنصرم، كانت الممرضة فاطمة الزياني تسلك بسيارتها الأزقة والفرجان ذات الطرق الرملية وشبه المعبدة، منتقلةً من مريض إلى آخر. حصلت الزياني على رخصة السياقة في 1952 وذلك بعد أن نالت شهادة التمريض من الجمهورية العراقية، إذ إنها احتاجت في سبيل أداء وظيفتها الحصول على رخصة سياقة، وبذلك تكون أول بحرينية تقود السيارة رسمياً. بمناسبة أسبوع المرور العالمي عام 1973، كرمت وزارة الداخلية في الرابع من مايو بنت الزياني كأول سائقة مثالية في البحرين.

يذكر الأستاذ عبدالعزيزبوحجي في كتابه «لمحات من تاريخ المرور في البحرين خلال السنوات 1914– 1969» تجربة المرأة البحرينية في دخول هذا المجال، موضحاً أن نظام المرور كان يعطي المرأة رخصة السياقة وفق نظام خاص يتطلب إجراءات عدة تبدأ بطلب إلى مدير المرور ثم رسالة من جهة العمل التي تعمل المرأة فيها، بالإضافة إلى ضرورة حضور صاحبة الطلب لمقابلة مدير المرور وفق مواعيد محددة، وبعد ذلك تكون الإجراءات العادية من تدرب ودخول امتحان وغيرها. لكن منذ العام 1977 انتفى التمييز الإجرائي الجندري للحصول على رخصة السياقة.

مظهر الحراك النسوي هذا، رُصد في الشقيقة الكبرى «المملكة العربية السعودية» عند بدء تطبيق قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة داخل ربوع البلاد في 24 يونيو، منهياً بذلك عشرات الحالات المغرقة في المعاناة من المعلمات والموظفات والطبيبات السعوديات اللاتي تعرضن لمشاكل عدة في تنقلاتهن، بالإضافة إلى الحالات الإنسانية الأخرى التي تناولها الإعلام السعودي من آن إلى آخر. والأكثر من ذلك، انتهت المفارقة الصارخة في كون المرأة السعودية قادرة على حيازة نوع من «الولاية العامة» في التمثيل الشوري رغم عدم تمتعها بحق قيادة سيارة!

في الوقت الذي كانت أسارير هذه المظاهر تنبلج في سماء المملكة، تساقطت كل «الطلاسم» التي تلبس لبوس الدين باسم حماية المرأة، فاختفت عبارة منْ يلمزها بسبب نقص بيولوجي في طبيعتها، بحسب قصور في عقل القائل لا في شخص المُقول. وكذلك، انتفى الخطاب الموعز بالعوار فيها إلى غدة في المخ «نسيتُ اسمها» كما قال أحدهم في لقاء تلفزيوني شهير. وأيضاً تهافت منطق الرأي المتجهم الجاهل الذي حدد مسارها في هذه الدنيا من البيت إلى اللحد.

مشكلة هذه العقول أوجزها الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – في كتابه «السنة النبوية (بين أهل الفقه وأهل الحديث)» حينما قال «المأساة أننا نحن المسلمين مولعون بضم تقاليدنا وآرائنا إلى عقائد الإسلام وشرائعه لتكون ديناً مع الدين، وهدياً من لدن رب العالمين، وبذلك نصد عن سبيل الله»، مضيفاً في موضع آخر «... لسنا مكلفين بنقل تقاليد عبس وذبيان إلى أمريكا وأستراليا، إننا مكلفون بنقل الإسلام وحسب».

أحد تلك «الطلاسم» الشهيرة تكمن في تفسير حديث صحيح ورد في البخاري، جاء فيه «... ما فلح قوم ولوا أمرهم امرأة». القصة هنا أنه في وقت اضطراب الملك الساساني، تولت منصب كسرى امرأة تُدعى آذرميدخت ابنة ابرويز، وكانت بارعة الجمال، لذلك خطبها أحد قوادها فكادت له وقتلته، فقام ابن هذا القائد بقتلها وسمل عينها انتقاماً لوالده. وعلى ذلك كان هذا الحديث خاصاً في هذا الظرف أو كما يقول الشيخ الغزالي تعليقاً على مناسبة الحديث « ... قال النبي الحكيم كلمته الصادقة. فكانت وصفاً للأوضاع كلها». ما يدعم هذا الرأي، أنه قبل تولي آذرميدخت مقاليد الحكم، كانت أختها بوراندخت تقود الفرس، وقد سُجل في عهدها استقرار وعدل نسبيين استمرا نحو سنة ونصف كانت مدة ولايتها. فلو كان الحديث المذكور قاعدةً عامةً حسب الزعم، فإن الرد عليه حينها ينعقد فقط بتذكر بوراندخت وعدلها الذي خُسف عند أختها آذرميدخت وظلمها، فـ»القصة ليست قصة أنوثة وذكورة، إنما قصة أخلاق ومواهب نفيسة»، كما يقول الغزالي.

هذا «الطلسم» وأشباهه آخذ في الاندحار والأفول، وخطوة قيادة المرأة السعودية تدفع نحو ذلك، وهي تـُقابل جزماً من الشقيقة الصغرى «مملكة البحرين» بالمباركة والغبطة، فـ«السعودية» انتصرت و«الطلاسم» اندثرت.