في شهر مايو 2011 عقدت جلسة في الولايات المتحدة الأمريكية بمركز "جورج دبليو بوش" وكان مضى على الثورة المصرية بضعة أشهر وعلى تولي باراك أوباما عامان، وقف أحد المصريين الذين شاركوا في أعمال العنف وتم القبض عليه والإفراج عنه لاحقاً واسمه "صلاح" مخاطباً كوندليزا رايس بعد أن أنهت كلمتها وسألها هذا السؤال:

"نحن ممتنون لكم لأنكم ساعدتمونا في 2004 و2005، ولكن كان صعباً علينا أن خذلتمونا عام 2010، ومعظمنا ذهب إلى السجن، كنا نأمل أن تتحسن الأمور ونرى بعض التغيير، وأريد أن أسمع منكِ لماذا خذلتمونا؟".

أعتقد أن هذا السؤال يحتاج أن يعرف إجابته كل شاب عربي انخرط في أعمال الفوضى غير الخلاقة في وطنه تحت مسمى التغيير والفوضى الخلاقة التي بشرت بها كوندليزا رايس، كل شاب استمع لها ولدعواها للتغيير عبر الفوضى يريد أن يسألها ذات السؤالين فمعظمهم انتهى إلى السجن، وهو لماذا بعد أن حرضتمونا خذلتمونا وتركتمونا نواجه قانون أمن الدولة؟

تقول كوندليزا "لو كنا قد خذلناكم فليس بسبب عدم محاولة الولايات المتحدة الأمريكية مساعدتكم، فأمريكا ليست قادرة دائماً وفي الحال لدفع الأحداث إلى الجهة التي تريد": لو كنت مكان صلاح لسألتها إن لم تكونوا قادرين دوماً على مساعدتنا لماذا تلقون بنا للتهلكة؟

ونكمل الحديث تقول كوندليزا "في مكان كالعراق حيث أسقطنا ديكتاتوراً كان يشكل خطراً على السلام والأمن القومي العالمي، كان لدينا وسائل مباشرة للإصرار على هيكلة ومساعدة الشعب العراقي للحصول المباشر على الديمقراطية" أتوقف هنا وأعود لاحقاً لباقي الكلمة.

الأدوات "المباشرة" التي تقصدها الأخت في العراق ترجمتها دخول الدبابة الأمريكية للعراق وتسريح الجيش والاستعانة بالجلبي الدمية ذات الصناعة الأمريكية وبالحكيم وغيرهم ممن سلم العراق لهم، هذه ترجمة لمعنى "كنا نملك أدوات مباشرة" وكلنا رأينا شكل "الديمقراطية" التي نتجت عن التدخل الأمريكي المباشر.

ونكمل باقي الكلمة:

"وفي الأماكن التي توجد فيها أنظمة هادئة في السلطة، كما هو الحال في مصر حيث تعاملنا مع نظام مبارك بشأن القضايا التي نتناولها مثل محاولة إنشاء دولة فلسطينية ديمقراطية أو محاولة السيطرة مع حماس أو محاولة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، لم يكن لدينا تلك الوسائل المباشرة، حاولنا الحديث عن القيم وقد استمر تحدثنا عن القيم طوال تلك الفترة بأكملها، حاولنا منح الشعب المصري الوسائل التي يحتاجها ليتحدث عن حريته، كنت أتحدث مع صديقي في وقت سابق لورن كرينر، وهو يعتبر محارباً في هذا المجال، وواحد من الأشياء التي قمنا بها، على سبيل المثال، كان منح 50% من المساعدات الأمريكية لتعزيز الديمقراطية لمجموعات ليست مسجلة لدى الحكومة المصرية، وهذه كانت بصراحة صفعة على وجه الحكومة المصرية" سأعود لاحقاً لتكملة الكلمة..

هل سمعتموها؟ يعطون منحاً لمنظمات غير مسجلة، يشجعون وبكل وقاحة على تجاوز القانون في دولنا، ولو أن أمريكيين أسسوا منظمة خارج نطاق القانون الأمريكي وقبلوا بمنح من روسيا لقامت قيامتهم ولنعتوهم بالخونة، وتتحدث الأخت عن "القيم" الأمريكية!!

ونكمل:

"ولا أريد أن أحرج الرئيس السابق جورج بوش، ولكن هناك سبباً في لماذا لم يأتِ حسني مبارك إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2004، تخيل ذلك الرئيس الأمريكي لا يستطيع دعوة الرئيس المصري لأمريكا وذلك ليس له علاقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني بل له علاقة بصناعة الثورة في مصر، وهكذا فنحن استخدمنا الأدوات التي نملكها".

وهذه أيضاً أداة أخرى من أدوات الضغط وهو منع أي قيادة عربية لا تخضع لسطوتها وقانونها وقيمها من دخول "الجنة" أي دخول الولايات المتحدة الأمريكية.

ونكمل:

"فقط لإعطائك مثالاً واحداً كيف أنه سيف ذو حدين، واحد من الأشياء التي قمنا بها أخذنا اتفاقية التجارة الحرة مع مصر على الطاولة، وذلك رداً على حملة الحكومة على القوى الديمقراطية في مصر، كان هذا واحداً من عدد قليل من الأدوات التي كانت لدينا وهو على الأرجح التصرف الصحيح".

وها هي أداة أخرى وهي الضغط عبر الاتفاقيات كاتفاقية التجارة الحرة، وهي اتفاقية تخدم التجارة والمصالح الاقتصادية بين الدولتين وتخدم رواد الأعمال والشباب. الأخت كوندليزا تستخدمها للضغط على القيادات العربية لإجبارهم على تبني قيمها!! والأهم أنها تقول "على الأرجح" كان ذلك تصرفاً صحيحاً، لأننا كعرب النسبة الأخت لا نزيد أن نكون فئران تجارب تطبق علينا إجراءات غير مدروسة ومرجح أن تنجح ومرجح أن تأتي بنتائج عكسية!!

ونكمل:

"ولكن هل قمنا بإضعاف بعض القوى التي قد تشكل قوى التغيير من خلال التغيير الاقتصادي عن طريق القيام بذلك؟ وهكذا كلما تستخدم هذه الأدوات هناك الجانب السلبي لاستخدام النفوذ الذي لديك والذي من الممكن أن يؤدي إلى تمكين القوى الخطأ، وأعتقد أنني أسأل نفسي كل يوم وأعلم أن الرئيس بوش فعل ذلك وأرى اليوت هناك ابرامز هناك وأتساءل هل فعلنا ما فيه الكفاية؟ هل هناك المزيد ما يمكننا أن نفعله؟".

نعم يا أخت كوندليزا، أوصلتم القوى الخطأ، ساعدتم المتشددين، أوصلتم من يريد قمعنا وإسكاتنا والنيل من مكتسبات الشعوب الاجتماعية، نعم تسببتم بالدمار والهلاك والخراب ومات الملايين وتشردت الملايين، وملايين اللاجئين فروا لخارج أوطانهم والأخت تتساءل هل هناك المزيد ما يمكننا فعله؟

ونكمل:

"وهكذا كل هذا فعلناه لكنه لم يتوج كله بالنجاح، آمل أن نكون على الأقل وضعنا الأساس لأشخاص مثلك الذين هم شجعان وصبورون ووطنيون للبناء على هذا الأساس حتى يأتي يوم ويصبح واقعاً ونرى تحقيق بعض تلك الأهداف" انتهت الكلمة.

"أشخاص" مثل صلاح، ومثله بحرينيون وعراقيون وسعوديون، أصبحوا نموذجاً للخيانة الوطنية وأي أمريكي سيتصرف مثلهم سيكونون خونة، أي أمريكيين يقبلون المنح من روسيا ويحدثون الفوضى في ولاياتكم سيعاقبون، ولكنها المعايير المزدوجة وغباء "اليسار" الذي يظن أنه "القدر" الذي يقرر ما الذي يصلح لشعوب الأرض قاطبة حتى لو لم تطأ قدماه أرضها!