يقول الله عز وجل على وجه المدح وهو يعرض قصة ملكة سبأ «ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون»، قول قالته ملكة سبأ والتزمت به من أنها لا تبرم أمراً إلا بموافقة ملتها وأن المشورة التي طلبتها ملكة سبأ لم تكن بحثاً عن مخرج أو تحرياً لحق وإنما كانت تعبيراً عن أسلوب في الإدارة ونمط من أنماط الحكم. ويعتبر التعيين الملكي لأعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، مرحلة مفصلية تؤدي للوجود الفعلي دستورياً لهذه الحكومة الجديدة في انتظار استكمال مرحلة التنصيب البرلماني، وبما يعني عملياً نهاية مدة انتداب حكومة تصريف الأعمال الجارية فمجلس النواب يمنح ثقته للحكومة عبر تنصيبها برلمانياً، وذلك وفق تعاقد واضح معبر عنه بالتصويت على البرنامج الحكومي الذي يقدمه رئيس الحكومة وهذا البرنامج يتضمن الخطوط العريضة لعمل الحكومة في مختلف مجالات النشاط الوطني على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، فمباشرة بعد التعيين الملكي لأعضاء الحكومة يتم تسليم السلطات بين الوزراء المعيَّنين والوزراء المغادرين لمناصبهم في حكومة تصريف الأعمال المنتهية ولايتها ويتم عندها البدء في صياغة وإعداد البرنامج الحكومي الذي سيتم اعتماده من قبل الحكومة ثم تقديمه أمام غرفتي البرلمان لمناقشته في المجلسين ثم التصويت عليه في مجلس النواب والشورى فالبرلمان سيمنح ثقته للحكومة على أساس هذا البرنامج الحكومي والسلطة التنفيذية ستختص بتنزيل المحاور الكبرى لهذا البرنامج إما عبر سياسات عمومية أو عبر مشاريع النصوص التشريعية مع احترام مجال اختصاص كل سلطة من السلطات الدستورية وإذا كان البرنامج الحكومي عبارة عن وثيقة تتضمن الخطوط العامة الكبرى لما تعتزم الحكومة تنفيذه على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بما يعني أسس إعداد وتنفيذ السياسات العمومية والسياسات الجزئية والبرامج الحكومية فإنه من الضروري أن تنسجم محاور هذا البرنامج الحكومي مع التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة والسياسات التنموية الاستراتيجية التي تم اعتمادها من قبل السلطات الدستورية المختصة والتي تُلزم الدولة بتنفيذها في إطار استمرارية السلطات والمؤسسات الدستورية كما يمكن الاستناد أيضاً على مرجعيات أساسية أخرى واردة في النص الدستوري والتي يتعين أن تكون أيضاً أساس إعداد البرنامج الحكومي وعلى رأسها الثوابت الدستورية «الدين الإسلامي والوحدة الوطنية والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي»، وتعتبر هذه هي المرحلةُ الأولى من مراحل السياسة العامة، ويتمُّ فيها تحديدُ طبيعة السياسة العامة التي ستطبقُ في البحرين من خلال اعتماد الربطِ بين الخُطط السياسيّة المكتوبة على الورق والموارد المتاحة لتنفيذها والواقع العام في المجتمع فصناعةُ السياسة العامة هي استخدامُ الخطة السياسيّة المناسبة لتنفيذها من خلال الاستفادة من الموارد المتاحة عن طريق صياغةِ مجموعةٍ من التوقعات والاحتمالات التي تساعدُ على بناءِ سياسةٍ عامة بأسلوبٍ صحيح ومن ثم تنفيذُ السياسة العامة بالتطبيقُ الفعليُّ للسياسةِ العامة في المجتمع والتي تشملُ تنفيذ كافة الاحتمالات المطابقة للفكر السياسيّ العام ومتابعة وتقييم السياسة العامة هي المرحلةُ الأخيرة من مراحل السياسة العامة والتي تعتمدُ على التأكدِ من تنفيذ السياسة العامة، والبحثُ عن حلولٍ لأي أخطاءٍ قد تحدثُ أثناء عملية التنفيذ. وبإعطاء هذا المفهوم هذه الأبعاد النظرية والعملية نكون قد انتقلنا من نظام تراتبي عمودي إلى نظام شراكة يحكمه التعاقد، من نظام توجيهي إلى نظام تفاوضات وتوازنات، من نظام متمركز إلى نظام غير متمركز إنه ينقلنا من مجتمع له رأس وأطراف، إلى مجتمع يتكون من عناصر فاعلة عدة ومتفاعلة فيما بينها، ينقلنا من منظومة هرمية تُسيَّر من أعلى إلى منظومة أفقية تَسِير بفعل التقويمات المسترسلة والتفاوض والتوافق المستمر بين الشركاء فقد يبدو هذا النظام أكثر تعقيداً وبطئاً على المستوى الآني ولكنه بالتأكيد على المستوى البعيد يضمن حماس الأفراد وتضحياتهم وفاعليتهم في تحقيق الأهداف التي ساهموا في تقريرها ولعله أنجع المناهج في تحقيق المساواة والعدل والاستقرار من خلال منهج المشاركة والمفاوضة بين جميع الأطراف بدون إقصاء فوجود برنامج يحول البحرين من واقعها الحالي إلى واقع جديد يتطلب تدريباً حقيقياً وتهييئا حقيقياً للكوادر الحكومية الشبابية والوسطى كلها لكي تحقق إنتاجية أفضل وقدرات قياديه أكثر إتقاناً، فالمسألة الرئيسية في الحكومة المقبلة تكمن في مدى مقدرتها على طرح برنامج سياسي واقتصادي وإداري ورياضي وصحي وإنساني متكامل، ثم أخذها الفرصة لتطبيق هذا البرنامج وفق تصورات قابلة للتطبيق ثم محاسبتها على التطبيق ولكن البرلمان المكون من أربعين عضواً وأربعون آخرون في مجلس الشورى هم الآخرون لا يستطيعون أن يتصرفوا بلا تنسيق بين أعضائه وبلا تفكير عميق في كل تساؤل واستجواب، فعلى البرلمان الجديد أن يثبت أنه نقطة تحول عن البرلمان الذي سبقه وعليه أن يعطي الفرصة للحكومة لتطبق تصوراتها، فبلا هذه الفرصة ستقول الحكومة إنها لم تستطع العمل لأن عناصر التأزيم في المجلس النيابي سبب ذلك، وسيقول الشعب إن البرلمان هو السبب وسيقول الجميع إن الديمقراطية هي سبب العلة وليس البرنامج الحكومي أو التطبيق الحكومي وأما إذا مر الوقت ولم تنجح الحكومة في تحقيق الجديد حينها ستكون الأمور جلية وسيكون موقف البرلمان أكثر قوة، فعلى الغالب سيكون أعضاء مجلس النواب والشورى القادمون أكثر وعياً بمتطلبات المرحلة وأكثر معرفة بالظروف المحيطة بالبحرين وأكثر التزاماً بالمشروع الإصلاحي، وذلك بحكم القاعدة العددية التي انتخبتهم ولكن من جهة أخرى سيكون أعضاء المجلس الوطني الجديد أكثر إصراراً على البرنامج وأكثر جرأة في الطرح في حال لم تتحقق أي من الوعود الأساسية المطروحة في برنامج الحكومه، وفي هذا سيكون الوضع محفوفاً بالمخاطر فالفشل في المرحلة المقبلة سوف يسجل على الجميع بصورة أكبر من أي فشل سابق والأزمات التي قد تنجم عن عدم القيام بالمسؤولية المناطة سوف يؤدي إلى مأزق أوسع على مستوى البلاد، فوضوح الوضع يتطلب إعطاء المساحة والمسافة اللازمتين للحكومة للقيام بمهامها حينها بالإمكان تسمية الأمور بأسمائها إيجاباً أو سلباً نجاحاً أو فشلاً وبطبيعة الحال نتمنى النجاح، لأن ذلك يوفر على البحرين الكثير من الآلام والتجارب السلبية ولكي يتحقق النجاح لبرنامج الحكومه لابد للحكومة أن تعتمد على جملة مبادئ منها أن تؤكد وتبرهن جديتها في تنفيذ البرنامج وتجاوز العقبات والعراقيل التي تعترضها بأن يكون أداء مؤسساتها سليماً وممتازاً وذلك من شأنه الفوز برضا الناس وهذه واحدة من الغايات الأساسية التي يسعى إليها البرنامج الحكومي فضلاً عن إقران الأقوال بالأفعال.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية