إذا كانت التنمية الشاملة هي كلمة السر التي نفضت بها دول كثيرة غبار التخلف عن كاهلها فاستطاعت -في حقبة وجيزة- أن تجد لنفسها مكاناً لائقاً تحت الشمس، فإن مفتاح هذه التنمية كان وسيظل هو الإنسان الذي يعد غاية التنمية ووسيلتها في آن واحد!

ليس في الأمر مبالغة أو غموض بل هو إدراك مباشر لحقيقة أن أغلى ما تملكه أي دولة من موارد هو ثروتها السكانية، وأن الخطط جميعها -مهما تعددت- يجب أن تضع هدف تنمية الإنسان نصب عينها تعليماً وتدريباً ورعاية.

ولقد أدركت مملكة البحرين هذه الحقيقة منذ زمن بعيد واستطاعت بفضل حكمة الدولة أن تستثمر في أبنائها فتبوأت مكانة لائقة في مضمار التنمية البشرية على مستوى المنطقة والعالم، كما كان التحول الديمقراطي الذي تضمنه المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، نقطة تحول فارقة أحدثت زخماً جديداً إلى هذا المضمار الحيوي، ويتفرع عن شجرة التنمية الشاملة هذه، فرع أصيل من أفرع التنمية، هو التنمية السياسية للمواطن كي يكون شريكاً فاعلاً في حركة البناء الاجتماعي وحتى يكون واعياً لدوره كشريك ورقيب في مسيرة التنمية حفاظاً على ما يدره دولابها من مكاسب، ومدافعاً عن الوطن عبر انتمائه الحر الأصيل القائم على الولاء والعطاء مؤمناً بأن ما قد يواجه بلاده من أزمات جلها مصنوع خارجها، وأن المتربصين بها كثر، وأن الدفاع عن حمى الوطن فرض عين لا مراء فيه. إن المتأمل في المجتمعات العربية التي تمور بالفتن والقلاقل سيدرك من أول وهلة أن تلك الأزمات التي تعصف بهذه الدول مرده في المقام الأول إلى انعدام التنمية السياسية واستشراء الجهل السياسي وضعف المشاركة السياسية واختفاء دور المجتمع المدني ومعه انعدام روح المشاركة السياسية والاجتماعية، كما تعاني هذه الدول من انسداد آفاق الحوار وقمع المرأة وتهميشها ناهيك عن انعدام الحرية وانخفاض الروح الوطنية والانسياق خلف الدعاية الأيديولوجية القائمة على أسس غير وطنية، وكل ذلك يمثل عقبات كبيرة في طريق الإصلاح والتنمية الشاملة من دون شك، ومن حسن طالع مملكة البحرين أنها تخلصت من جل هذه العقبات سريعاً وأصبحت واحة ومثالاً يحتذى في الوعي والتنمية السياسية بين أشقائها، والسؤال هو: من الذي يناط به هذا الدور التنموي المنشود؟ ومن الذي أمكنه حمل مصباح «ديوجين» لينشر النور والحكمة؟ إنه في حالتنا معهد البحرين للتنمية السياسية الذي تأسس عام 2005، بمرسوم ملكي لينشئ المجتمع على الثقافة السياسية الرصينة سواء على مستوى المؤسسات أو على مستوى الجمهور العام، كثيرة هي الأهداف التي رام المعهد تحقيقها منذ إنشائه منذ نحو 19 عاماً، وقد حقق بالفعل الكثير منها، وكثيرة هي الخطط التي وضعها في قطاعات كثيرة بغية الوصول إلى المواطن وتزويده بالمعلومات التي تزيد وعيه، وتفعل مشاركته، وتنمي مهاراته، وانتظم في ذلك سياسيون وبرلمانيون وطلاب مدارس وجامعات وتجمعات متنوعة أخرى نسائية ومهنية، ومع ذلك فإن المسيرة لاتزال تحتاج إلى المزيد، لأن المعهد لا يقتصر دوره على التثقيف والتنشئة وهما حملان ثقيلان بلا شك ولكن المعهد أيضاً يجابه الحملات المضادة ويفند ما تبثه آلات الدعاية ويجاري كل الأحداث التي تتعلق بالعمل البرلماني والسياسي، وجميع ذلك عبء يجعله كالعين الوطنية الحارسة التي لا تنام.

لقد تشرفت بالتعاون مع المعهد في السنوات الماضية في العديد من الفعاليات الأكاديمية والتدريبية لشرائح عدة من المجتمع وخاصة الشباب، ولمست كم يتمتع هذا المعهد بالخبرة والمهنية العالية من خلال إدارته النشطة وخاصة القائم بأعمال المدير التنفيذي للمعهد الأستاذ أنور أحمد علي، والمستشار السياسي للمعهد الأستاذ خالد فياض، ومعهما ثلة من الشباب البحريني المثقف، وكانت مسابقة كتابة الخطاب السياسي -لفئة الشباب- مثالاً لأعمال كثيرة لهذا الجهد الدؤوب الذي يدأب المعهد على تقديمه كي يؤسس مجتمعاً واعياً بالمرحلة والظروف التي تحيط به داخلياً وخارجياً، فشكراً للمشاركين في هذه الورش والدورات والمسابقات وسائر الأنشطة التي ينظمها المعهد لصقل المواهب والمهارات في مجال الخطاب السياسي، كما أشكر إدارة المعهد وسعادة وزير الإعلام الموقر الأستاذ علي الرميحي رئيس مجلس أمناء المعهد على لفتتهم الرقيقة لتكريمي عن أعمال التحكيم في الحفل الذي عقد مؤخراً للفائزين في مسابقة الخطاب السياسي لشباب البحرين وإن كانوا هم الأولى بالتكريم.