تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة تنادي بتدريب الأبناء على «السنع»، وأصبح هذا الموضوع حديث الجميع، ولكأنه «موضة» جديدة أو مفهوم جديد يتسرب للمجتمع، على الرغم من أن «السنع» جزء من ثقافة مجتمعنا الخليجي المتوارثة عبر الأجيال، فلماذا تعالت الأصوات التي تنادي بالتمسك بالسنع ولكأنها ثقافة جديدة، لماذا تعالت الأصوات تطالب بالتمسك بالسنع وكأننا نخشى فقدانه، وهل بدأ شبابنا يفقد «السنع»؟! فبتنا ننادي بضرورة الاهتمام بتراثنا المتعلق بعاداتنا وتقاليدنا للعمل على نقله من جيل إلى جيل؟

إن «السنع» جزء من ثقافة مجتمعنا الخليجي بل إننا لنعتبره جزءاً من ثوابت هذا المجتمع الذي نتمسك به ونحافظ عليه، فماذا تعني كلمة السنع؟ لقد بحثت في كتب اللغة فوجدت أن معناه عند العرب «جمل وحسن» أو «طال وارتفع» فللسنع معانٍ جميلة، ويقصد أهل الخليج بالسنع: «مجموعة من الآداب التي اعتاد أفراد المجتمع البحريني الالتزام بها في تعاملهم اليومي وعلاقاتهم الإنسانية، حتى ترسخت في المجتمع، وأصبحت مكوناً من مكونات الشخصية أي أنها الآداب التي ينشأ عليها الأبناء لتكون جزءاً من سلوكيات جميع أفراد المجتمع، كآداب التحية، وعبارات اللباقة الاجتماعية كعبارات التعزية، والتهنئة، والوداع وغيرها، ومن السنع احترام الكبير وآداب التعامل معه مثل الوقوف له عند دخوله المكان، وتقبيل الرأس أو الأنف، وعدم رفع الصوت أمامه أو مقاطعته، كذلك هناك «سنع» في التعامل مع الجيران كمراعات حرمة الجار واحترام أهل بيته، وعدم اختراق خصوصيته، وعدم إزعاجه، وكذلك «السنع» في تعامل الرجل الأجنبي مع المرأة، فلا يرفع نظره في وجهها ولا يحدق في عينيها، وكذلك «السنع» في التعامل مع الضيف مثل إكرامه، وعبارات الترحيب والبشاشة في وجهه. وقائمة السنع طويلة جداً فهي ثقافة مجتمع واسعة تعارف عليها المجتمع وحافظ الجميع عليها، بضوابط اجتماعية صارمة فيحاسب من يخترقها ويخالفها ولكأنه ارتكب جرماً أو اقترف خطيئة، أو خالف شرعاً، فيحاسب من يتجاوزها أيما حساب ويرفض المجتمع أي سلوك أو تصرف يتعارض مع «السنع»، ذلك لأنه يشكل جزءاً من العرف والعرف أحد مصادر التشريع في القوانين المدنية.

عجبي!!!! لماذا نجد أنفسنا نكتب عن «السنع» ونُفصل فيه في حين أن أسلافنا لم يحتاجوا للكتابة عنه، ذلك لأن «السنع» كان عرفاً متعارفاً عليه يتناقله الأجيال وتتوارثه بالممارسة والتعامل، فلا تحتاج أن تتكلم عنه بل هي ممارسة من أفراد الأسرة والمجتمع فينشأ الأبناء عليه، أما اليوم فنحن بحاجة لأن نتكلم عنه، نحن بحاجة أن ندخل هذه الآداب «السنع» في مناهجنا الدراسية، ونحتاج لدورات تدريبية، بل إننا نحتاج لأن نحوله إلى علم يُقنن وينظم ويكتب في كتب، حتى ننشأ الأجيال عليه، لما لزرع القيم الأصيلة في شبابنا من تأثير كبير في تعزيز القيم المجتمعية والسلوكية بين أفراد المجتمع لتكون جزءاً من الشخصية البحرينية المعاصرة.

كل هذا يدل على تراجع دور الأسرة في تأثيرها على تنشئة الأبناء لصالح باقي مؤسسات المجتمع، فالأجيال تكتسب السلوكيات والآداب والأخلاقيات من عدة مؤسسات اجتماعية مثل المدرسة، النادي، المسجد، والجمعيات، ومن المفترض أن تتصدر هذه المؤسسات الأسرة فهي المؤسسة الاجتماعية التي يجب أن تكون الأكثر تأثيراً على تنشئة الأبناء لتعلمهم الآداب والأخلاق والقيم والمبادئ، والمهارات الحياتية بأنواعها، ومن الواضح تراجع تأثير الأسرة على تنشئة الأبناء والتي كانت هي المصدر الرئيس لتنشئة الأبناء على «السنع»، وأعلل تراجع دور الأسرة إلى طول ساعات العمل، فغياب الأبوين لمدة طويلة عن المنزل أدى إلى تراجع العلاقات الاجتماعية، وقد قلت تبادل الزيارات الاجتماعية التي هي مجال لتطبيق السنع وكذلك زيادة ساعات التمدرس، فالوقت الذي يقضيه الأبناء في المدرسة أطول من الوقت الذي يقضيه بين أفراد الأسرة مما أدى لقلة تبادل الزيارات الاجتماعية، والأكبر من هذا عزوف أبناء هذا الجيل عن مشاركة الآباء في العلاقات الاجتماعي، فلا يرغب الأبناء مشاركة آبائهم في زياراتهم، ونتج عن كل هذه العوامل قلة ساعات مجالسة الأبناء للآباء فقديماً قالوا «مجالسنا مدارسنا»ففقدت الأسرة تأثيرها في تربية النشء على «السنع».

وختاماً لن أوجه رسالتي للآباء بل أوجه ندائي للشباب، فأقول لهم تعلموا «السنع» من أهلكم، فهم المصدر الأصيل لتعلم «السنع»، ولازموهم لتتعلموا منهم، واقتدوا بهم، حافظوا على أصالتكم، وحاذروا كل الحذر من أن تمشوا مشية الغراب فلا أنتم شباب عربي ولا أنتم شباب أجنبي. لا تعيشوا غرباء على هذه الأرض فلا هوية عربية ولا هوية أجنبية، أيا شباب العلى لا تزدروا «السنع» وتصفوا هذه الآداب بالرجعية والتخلف، فتمسكوا «بالسنع» لمواجهة أي تيارات تتضارب مع قيمنا الأصيلة، فنحن نريدكم شباباً «سنعين».... ودمتم أبناء قومي سالمين..