اعتدنا على الصراع التقليدي بين القيم من جيل لآخر في المجتمعات الخليجية، فكل جيل يرى أن القيم التي نشأ عليها وتمسك بها هي الأفضل، وهي تعكس أصالة المجتمع من الجيل الآخر الذي يأتي لاحقاً بعده.

هذا هو الصراع التقليدي، لكننا الآن أمام صراع من نوع مختلف، فهو صراع بين قيم الإنترنت، تلك القيم التي كوّنتها المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي منذ مطلع الألفية الجديدة وحتى اليوم. أما الطرف الآخر في الصراع فهو القيم التقليدية التي كانت مصادرها تقليدية ولم تأتِ نتيجة التفاعل الاجتماعي وانتشار الإنترنت.

من الأمثلة الهامة على صراع قيم الإنترنت والقيم التقليدية، قيمة الخصوصية الشخصية التي تعني قدرة الأفراد في الحفاظ على مسائل حياتهم الخاصة قدرة الإمكان، وعدم السماح للآخرين بالاطلاع عليها إلا في الحدود المقبولة مجتمعياً.

سيطرت قيمة الخصوصية الشخصية على مجتمعاتنا الخليجية قروناً طويلة، لكن تشكيل الإنترنت لمنظومة القيم من جديد أنهى هذه القيمة بشكل لافت، حتى صار عرفاً مجتمعياً أن الأصل تجاوز الخصوصية الشخصية بهدف التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، حتى صارت تفاصيل الحياة اليومية منتهكة من قبل الأفراد أنفسهم وليس من قبل آخرين.

بعد آخر في هذا الصراع، وهو بعد الهُوية، فمن الواضح أن البصمة أو النكهة الخليجية في القيم والسلوكيات آخذة بالتراجع، حيث يتراجع الأفراد عن هُوياتهم الخليجية لصالح هُويات أخرى هجينة بين مجموعة من الهُويات، ولا يمكن القول إنها هُوية غربية، لأنها أكبر وأعم من ذلك بكثير. من التحولات الجارية لمنظومة القيم الخليجية وتحديات الهُوية، أن بإمكان الفرد اختيار قيمه أو تفصيلها بما يناسبه، وبما يتوافق مع نظرته وقناعاته تجاه قضايا الحياة المختلفة، ولا توجد قيود قانونية أو مجتمعية لذلك، بل هناك حرية واسعة لا يمكن السيطرة عليها.

إن الصراع بين قيم الإنترنت والهُويات هو صراع مستقبلي سيحدد مستقبل الثقافة الخليجية التي قد نراها بعد نحو 5 سنوات من الآن مختلفة تماماً عما ألفناه من مكونات هذه الثقافة.