الاستغلال العاطفي من أهم أساليب إلهاء الشعوب، وتحويلهم من ساحة رأي إلى ساحة أخرى، يكون فيها التأثير العاطفي العامل الأقوى. وهذا ما لا أتمناه الآن في وقت يستوجب علينا جميعاً التركيز وفهم تطورات الوضع القادم. فنحن الآن بأمس الحاجة إلى أصوات عاقلة متزنة تجيد قراءة الأحداث وتفسيرها بشكل مبسط للعامة.

ولعل ظهور موضوع «إسقاط القروض» يعتبر من أكثر المواضيع تأثيراً في المجتمع، فليس هناك فئة في المجتمع لا يعنيها الأمر، فبين الدائنين والمدينين هناك إجماع في النفس وتمني بأن تخطو الدولة خطوة فعلية لإسقاط القروض.

وبالرغم من أن الأمر حين ظهر في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، كان لا يعدوا خبراً طريفاً أو ظريفاً لدى الغالبية، وأسوأ المتفائلين قال «نتمنى ذلك»، الناس خاصة من تجاوزوا الأربعة عقود لديهم قناعة بأنها من أكبر الفقاعات الإعلامية، بسبب قناعتهم التامة بأن ما لم يحدث في زمن قوة النفط لن يحدث في وقت الشدائد.

لست متشائماً بطبيعتي، بل واقعي، فحين ينشر المصرف المركزي بيانات تقول إن إجمالي القروض الشخصية يبلغ 4.5 مليار دينار حتى يوليو الماضي «واحسبوها لليوم كم» فإن الدولة مطالبة بدفع اكثر من 4 مليار دينار للبنوك، فيما العجز في ميزانية الدولة للسنتين الماليتين 2019 و2020 يبلغ 1.3 مليار دينار وقت تقدير أن سعر برميل النفط كان 60 دولاراً، فهل من المنطقي أن تخطو الدولة خطوة كهذه؟

في ظل تأزم الاقتصاد وتراجع الإيرادات نتيجة الجائحة وتراجع أسعار النفط، يبقى موضوع إسقاط القروض مجرد دغدغة للمشاعر، وإلهاء الناس! وإن كانت النية طيبة وواقعية.

ولو أن الدولة تملك سيولة وفائض يقدر بـ 4 مليار أو نصف هذا الرقم أتمنى أن توجه هذه السيولة في مشاريع أكثر استدامة، في حل مشكلة الإسكان في إعادة تخطيط التعليم في بناء مستشفيات جديدة في بحث عن مصادر للطاقة المستدامة أو حتى تأسيس مشاريع متعلقة بالأمن الغذائي في الخارج. واعتقد بأن هذه الأمور أكثر واقعية وملامسة للأجيال الحالية والقادمة.

الشعب البحريني يستحق الأفضل من إسقاط قروضه وأكثر، إلا أن إثارة هذا الموضوع ليست بلسم له ولا لأبنائه في الوقت الراهن، فهناك أولويات يبحث البحريني عنها يجب أن تكون في أجندات صانعي القرار والمشرعين، التعليم والصحة والسكن انتهوا منهم في أول الأمر، وبعد ذلك أسقطوا قروض البحرينيين وغير البحرينيين أيضاً.