تزايدت في الآونة الأخيرة الدعوات العالمية التي تنادي بضرورة ترشيد الاستهلاك وتقليله إلى أدنى حد ممكن، نظراً إلى ارتباط الاستهلاك بشكل مباشر بتفاقم العديد من المشكلات البيئية، التي ربما يعد أبرزها مشكلة زيادة توليد المخلفات الناتجة عن الاستهلاك والإنتاج غير المستدامين، واستنزاف الموارد، ما يشكل عبئاً كبيراً على البيئة وعلى الحكومات، وخاصة في دول مجلس التعاون. وضعت اتفاقية باريس لتغير المناخ 17 هدفاً لتحقيق التنمية المستدامة بحلول عام 2030 تغطي مجموعة واسعة من قضايا التنمية. ومن الواضح ارتباط مشكلة تزايد معدل إنتاج المخلفات بالعديد من أهداف التنمية المستدامة بشكل مباشر أوغير مباشر، أبرزها الهدف الثاني عشر المرتبط بالإنتاج والاستهلاك المستدامين المسؤولين. ولكي نصل إلى تحقيق هذا الهدف علينا أولاً إعداد إستراتيجية وطنية متكاملة وشاملة لقطاع الإنتاج والاستهلاك وإدارة الموارد والمخلفات الناتجة، بحيث تعمل معاً بخط متوازٍ، وبتنسيق عالٍ بين جميع الأطراف المعنية.

تتفاقم كمية المخلفات الملقاة كنتيجة لاعتمادنا على ما يسمى بالاقتصاد الخطي، الذي يعمل من خلال استخلاص المواد، ثم تصنيع المنتجات التي تتحول إلى مخلفات، يتم التخلص منها بعد فترة قصيرة من استخدامها، ما يؤدي إلى استنزاف الموارد بشكل كبير وتشكيل عبء على البيئة، وخاصة مع غياب سياسات مستدامة لإدارة المخلفات التي تعد ثروة وأساساً للعديد من الصناعات، ومورداً متجدداً يفتح العديد من الآفاق الواعدة؛ لذا يكون الاقتصاد الدائري هو الحل، وخاصة في دول محدودة الموارد والمساحات كمملكة البحرين، والذي هوعبارة عن نموذج اقتصادي يستهدف تقليل المهدر من المواد والسلع والطاقة والاستفادة منها قدر الإمكان، بحيث يتم خفض الاستهلاك والمخلفات والانبعاثات الناتجة، وتعظيم الاستفادة من جميع المواد الخام والطاقة والموارد بمختلف صورها، اعتماداً على عمليات إعادة التدوير والاستخدام وإعادة التصنيع والتطوير، بدلاً من نمط الهدر. وبذلك يكون التنافس الابتكاري على كافة المستويات «لتصفير» المخلفات المحولة إلى المردم، وذلك بابتكار الوسائل التي تعظم الاستفادة من الموارد المهدرة بشتى صورها، والاستثمار في الاقتصاد الدائري، كتحويل المخلفات إلى طاقة والاستثمار في الأغراض المستعملة، وإعادة التصنيع والتي تعد من الفرص الواعدة لمملكة البحرين. مفهوم الاقتصاد الدائري ليس جديداً بل اعتمده أجدادنا كجزء من عاداتهم وإرثهم التراثي، فـ «زاري عتيج» كان يعد انعكاساً لمدى الوعي المستدام بحفاظهم على الموارد، وعلى حقوق الأجيال القادمة.

يمثل الاقتصاد الدائري نموذجاً اقتصادياً مستداماً جديداً، واعتماده كفرع جديد في الاقتصاد الوطني سيساهم في التنوع الاقتصادي وخلق مناخ استثماري غني، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة تساهم في القضاء على البطالة، وتحفيز الابتكار في مجال إعادة الاستخدام والتدوير والحفاظ على الموارد، ما ينعكس على جودة البيئة، وبالتالي على الصحة والرفاهية. هو فرصة ذهبية ذات فوائد مستدامة جمة لبلدنا، وتساهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وينبغي أن نستغلها.

* أستاذ نظم وسياسات الإدارة المتكاملة للمخلفات والتلوث البيئي والاستدامة المساعد- جامعة الخليج العربي