بليلة أمس أنهى أطفالنا «الحلوين» مهرجان «القرقاعون».. هذا المهرجان الرمضاني المحبب للأطفال والضارب في أعماق التاريخ بشيلاته الجميلة والمريحة للنفس، الأولاد يهزجون: «.. سلم ولدهم لامه.. وييب المكدّة ويحطها في حضن أمه» والبنات شيلتهن: «كركاعون.. انكرنكيعون.. عادت عليكم أو يا الصيام.. عطونه الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم.. كركاعون.. عطونه نخي وكنار.. عسى ما تروحون النار.. كركاعون».

وما زلت أذكر استعداداتنا ونحن أطفال للقرقاعون، فأمهاتنا تخيط لنا الأكياس التي نعلقها في رقابنا ونحن نجوب الأزقة والفرجان ونطرق البيوت ليوضع فيها القرقاعون الذي هو عبارة عن بعض المكسرات من الجوز واللوز والنقل والنخي الأصفر والحلويات، وعندما نعطى هذه المكسرات نشكر أهل المنزل بقولنا: «عساكم من عوادة.. لا تقطعون هالعادة» أما نحن الأطفال فإننا نذهب إلى أسواق اللحم للبحث عن جلود الحيوانات المذبوحة لننظفها ونعمل منها طبولاً للقرقاعون بعد أن نقطع بعض العلب الفارغة من الجهتين لوضع الجلود عليها وصنع الطبول المختلفة الأحجام والأشكال استعداداً لموسم القرقاعون الذي يستمر ليلتي الرابع عشر والخامس عشر من شهر رمضان المبارك».

ويعود سبب هذه التسمية، إلى «قرة العين في هذا الشهر»، ويقال إنه بمرور الزمان تحورت الكلمة وأصبحت «القرقاعون»، ويقال إنها كناية عن قرع الأطفال للأبواب. ورغم كونها عادة تراثية قديمة، إلا أن أهل الخليج ما زالوا متمسكين بإحيائها، وإن أخذ الاحتفال طابعاً أكثر عصرية، وأضحت الاحتفالية عادة تحرص المؤسسات الحكومية والخاصة على إحيائها.

وترتدي البنات الصغيرات الأزياء التقليدية المتعددة من «البخنق» وثوب النشل والجلابيات المبتكرة، أما الأولاد فيرتدون الثوب الأبيض المطرز بخيوط ذهبية مع سديري أسود أو من دونه ويحملون معهم أكياساً مصنوعة من القماش.

وتسمى ليلة القرقاعون بأسماء مختلفة بين دول الخليج فمثلا في قطر تعرف بـ «القرنقعوه»، ويطلق عليها أهل سلطنة عمان «القرنقشوه»، وتسمى في الكويت والجانب الشرقي من السعودية «القرقيعان»، أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فتسمى «حق الليلة».

وترتدي الفتيات «البخنق» وهو لباس تقليدي قديم للفتاة، فهو عبارة عن غطاء أسود مصنوع من قماش شفاف، ويزين البخنق ببعض النقوش المنقوشة بالخيوط الذهبية، وفي العادة يتم وضع حلية من الذهب تسمى الهلال. واختلف زي الفتاة في الوقت الحاضر عن الماضي، حيث زادت الأزياء عن الملابس التقليدية وتتوافر بأشكال كثيرة وبألوان زاهية.

بالنسبة إلى الأولاد في الماضي، لم يكن لهم لباس محدد، فهم يلبسون الملابس المتوافرة «الثوب التقليدي» إلى جانب «القحفية» طاقية الرأس. أما اليوم فقد اختلفت السمات العامة لليلة القرقاعون حيث زاد اهتمام الأهل في تزيين أطفالهم، حيث يلبس الأولاد «السديري» و «القحفية»، والبعض الآخر يلبس الدقلة.

وكانت مكونات القرقاعون في الماضي تقتصر على أنواع محددة من المكسرات مثل: اللوز، الجوز، النخي، الفول السوداني، إلى جانب بعض الحلويات وأصناف معينة من الحلوى. أما اليوم فقد اختلف الوضع، فقد زادت مكونات القرقاعون واختلف شكل تقديمها، حيث تقدم بشكل جميل ومميز.

ومن الملاحظ أن أهل الخليج عموما حريصون على إحياء تراثهم الشعبي والمحافظة عليه، سواء كان ذلك بممارسته أو بالإشارة إليه في وسائلهم الإعلامية، فبإحياء هذا التراث يهدف أهل المنطقة إلى استمرار التواصل بين الماضي والحاضر، وهم بذلك لا يريدون لثقافتهم أن تندثر ولا يريدون أن تنسيهم تكنولوجيا العصر تراث الأجداد.

ونستخلص من هذا الاحتفال بعض الدلالات الاجتماعية والترفيهية والروح الجماعية والأسرية العامة، التي تميز نمط العلاقات الاجتماعية، وتظهر تلك الدلالات من خلال اهتمام الأهالي باحتفال الأطفال ومشاركتهم المشاعر الطفولية بالفرحة وإشاعة روح المودة والألفة بين الناس.

ولا يقتصر الاحتفال بليلة القرقاعون على الأطفال في الفرجان فقط، بل تشارك العديد من المؤسسات والوزارات والأندية والمراكز الاجتماعية وغيرها في البحرين من مؤسسات المجتمع المدني في الاحتفال بهذه الليلة المتميزة.. حيث تحرص على إقامة حفل تدعو إليه الأطفال وأهاليهم ليستمتعوا بفقرات منوعة وفقرات ترفيهية وتوزيع الهدايا.

وقد تطور القرقاعون عن السنوات الماضية فصارت تفصل له الملابس الشعبية الجميلة والبخانق وخاصة للفتيات الصغيرات. وتغيرت الشيلات وأصبح الشباب الكبار يضعون طبولهم وعدتهم فوق سيارة «بيك أب» ويغنون الأغاني الحديثة ولا يقبلون بالمكسرات وإنما يطلبون النقود» ونوط ينطح نوط».

وإذا كانت الفتيات الصغيرات لا يتجاوزن في احتفالهن بالقرقاعون الحي أو الأحياء القريبة من منازلهن، فإن الشباب يذهبون في لفتهم إلى جميع أحياء وفرجان المدينة التي يقطنونها حيث تمتلئ أكياسهم بالقرقاعون علاوة على بعض الأموال التي يتقاسمونها بينهم فيما بعد.

وهذه المكسرات والحلويات التي تمتلئ بها أكياسهم تؤكل على فترات طويلة قد تمتد شهوراً قبل أن يأتي رمضان جديد وقرقاعون آخر.

لكن ما يحز في النفس أن الكثير من الأسر والعوائل اليوم لا تحبذ أن يشارك أطفالهم في هذا الكرنفال الرمضاني الجميل ويحرمونهم من عيش طفولتهم واللعب مع أقرانهم ومشاركتهم في القرقاعون وذلك بحجة الخوف عليهم من السيارات أو من قرناء السوء.. وذلك خوف لا مبرر له خاصة في ليالي رمضان الجميلة وفي منتصفه حيث الناس منتشرون في الأسواق والمقاهي والفرجان والحواري وفي كل مكان.