تناقلت وسائل إعلام عالمية خبر قتل باكستاني طفلته البالغة من العمر «سبعة أيام» بالرصاص، وكان اسمها «جنات» لأنه أراد أن يكون مولوده الأول صبياً، لكون العادات القبلية في بعض المناطق هناك تعتبر الفتيات الصغيرات إهانة للرجولة.

يحدث هذا في بلد أعجمي، ويقع في غير بلد عربي، هي منظومة عادات طالما استسهلت استباحت دماء النساء، والإجهاز على الطفولة النضرة، شراكة واسعة في القتل، يركم بعضها بعضاً، ولعق دماء الإنسانية المصفى على مشجب الثأر من أهل الدار، هي خرافات بدائية من صنع أيدينا نحن.

تتعامى الاتفاقيات الأممية عن حقوق الطفولة وخاصة تلك المتعلقة بالإناث في مناطق منتشرة على الخريطة، وهي اتفاقيات ستظل مطبوعة على الورق فقط ولا تساوي مثقال الحبر الذي نسخت به، وتحتاج إلى ترجمة يلمسها الكافة حتى لا تصير الفتيات مثل «جنات» ضحايا أفكار هي موجودة في عقول كثيرين بين ظهرانينا.

لا أعرف كيف أسمي هذا النوع في قتل «البشارة»، والله إنها الزلزلة، يهتز لها عرش الله، وتبكي لهولها السماء، فأي ظلم أشنع من أن تزهق روح بريئة، ومن دون أن تشكو أو تتنهد، .. تخيلوا قتلها أبوها وهو بكامل قواه العقلية، أغرقها بدمائها، وعينيها بعينيه، وبسمتها الناعسة تعلو شفتيها اللوزيتين، ويدها الصغيرة تغطس في لحيته الكثة بمنتهى الاشتياق الفطري، .. ألم ترتجف يداه وهو يضع بندقيته في رأسها؟، ألم تَدِرْ عيناه ويصيبهما الغباش وهو يضغط على الزناد؟.. يا إلهي.

يفرغ في جسدها الصغير خمس رصاصات دفعة واحدة، فقط، فقط، حتى يمسح عاره، وأي عار أشد من قتل الطفولة وهي بعمر الغمام، ألا يدري أن بقتلها هو ذاته يصنع عاره .. وهي كيف تغسل عار أبوته لها، هل هان عليه أن يمزق قلبها اللين ووجهها النّير، بهذه البساطة، وهل تبتغي العزة أصلاً وأنت في أسفل الحضارة.

هذا «الرجل» قتل مولودته الجديدة أمام أمها بضمير مطمئن، وبالٍ هانئ، وظن المجنون أنه يحسن صنعاً، ليتوارى بفعلته من سوء ما بشر به، نقم منها فقط لأنها «بنت»، وأي ظلم أن يؤخذ الإنسان بجنسه، لا أدري كيف طوعت له نفسه قتل فلذة كبده، وقرر أن يريق دمها المطلول ليغسل خزي القبيلة.

كيف لم يشفع لها بريق عينيها، وأنها زهرة البيت الأولى، أنهى حياة الصغيرة بقلب ميت، كيف استدل أنها لا تستحق العيش، ألم يتساءل عن إمكانية استمرار حياته بعد وفاتها، .. بالمناسبة كيف يطيق معاشرة الزوجة المكلومة مرة ثانية لتنجب له «الولد»، تبت يداك..

هي مولوده الأول، الذي يفترض له الفرحة الخالصة في نفسه، إلا أن الإنجاب وحده لا يكفي أن يتحول الأب إلى شخص مثالي، وقد أوجز في ذلك جلال الدين الرومي: «كم من إبليس له وجه آدم».

هذه التي كان يفترض أن يحملها في حضنه أول الولادة، ويمسح على كتفها بهدوء كي لا يخدش سكون نعستها، يهمس في أذنها: «بحبك» إلى آخر العمر، يلعب بشعرها الساحر، ويدغدغ بإصبعه خدودها الشفافة، يعض بشفتيه أناملها الطرية .. يمسح دمعها إن بكت، ويتألم إن هي تألمت، ويقول آه ه ه ه ه إذا تنهدت.. يلاعبها يلاطفها ويحملها على ظهره في المنزل إن تكدرت، ويلتقط لها الصور مع أمها – التي أدمى قلبها - وهما تتعانقان كغيمتين أول الشتاء..

هي نفسها كان يمكن أن يتقدم لها الخطّاب، مثل باقي البنات، وسوف تلبس فستان الزفاف وترقص أمام المرآة، وتضحك مثل طلوع الصبح، وتزين بالحناء كفيها أيضاً، وهو يجهز الأجواء لفرحتها الكبرى، ويزفها بيديه - اللتين قتلها بهما - إلى زوجها، وسوف يدمعان معاً ويضحكان معاً عند فراق البيت الذي ازدان بمولدها.

.. تأتيك فجأة وهي تملأ المكان بجمالها وسحرها، والفرحة لا تسعها من فرط الهناء الذي هي فيه، .. وأنت تسأل: لِمَ كل ذا، وتشير إلى حملها لعلك تفهم أنك ستصير جداً وسيأتيك الحفيد الأول، ... وتنجب، وتقول لك مبتسمة: أبتي أني وضعتها أنثى .. وتنفجر أنت بالبكاء.