إنّ الصلاة ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، وهي فريضةٌ من الفرائض التي فرضها الله -سبحانه وتعالى- على عباده، قال تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتاً)، وهي الركن الأول من أركان الإسلام بعد نطق الشهادتين، وأوّل الأعمال التي سيحاسب عليها الإنسان ويُسأل عنها يوم القيامة؛ فإذا صلحت الصلاة صلح جميع عمل الإنسان، وإذا فسدت الصلاة فسد جميع عمله.

وقد خصّ الله سبحانه وتعالى صلاة الجماعة بمزيد فضلٍ عن صلاة الفرد لوحده، فمن ذلك الفضل:
أولاً: الأجر المضاعَف فيها: فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ -أي الفرد- بسبع وعشرين درجة»، متفق عليه.

ثانياً: رفع الدرجات وحط الخطيئات: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تَضْعفُ على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد، لا يُخْرِجُه إلا الصلاة، لم يخطُ خطوة إلا رُفِعَت له بها درجة، وحُطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلَّى لم تزل الملائكة تُصلِّي عليه، ما دام في مُصَلاّه ما لم يُحْدِث: اللهم صلّ عليه، اللهم ارحمه، ولايزال في صلاة ما انتظر الصلاة. متفق عليه

ثالثاً: غُفران الذُّنوب: قال صلى الله عليه وسلم: «من توضّأ فأَسْبَغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاّها مع الإمام، غُفِرَ له ذنبه». رواه ابن خزيمة وصحَّحه الألباني وأصله في مسلم.

رابعاً: صلاة الجماعة من سنن الهدى والأمان من النفاق: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بِهِن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سُنن الهدى، وإنهن من سُنن الهدى، ولو أنكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته؛ لتركتم سُنَّة نبيّكم، ولو تركتم سُنّة نبيّكم لضللتم.. ولقد رأيتنا وما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النِّفاق، ولقد كان الرَّجُل يُؤْتى به يُهَادَى بين الرَّجُلَين حتى يُقام في الصَّف». رواه مسلم.

خامساً: من حافَظ على الجماعة عاش بخير ومات بخير: قال صلى الله عليه وسلم: «أتاني الليلة آتٍ من ربي. قال: يا محمد! أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم؛ في الكفّارات والدرجات، ونقل الأقدام للجماعات، وإسباغ الوضوء فيالسَّبَرات، وانتظار الصلاة، ومَن حافظ عليهن عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه». رواه أحمد والترمذي وصحَّحه الألباني.

سادساً: حتى الأعمى يصلي في الجماعة: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله! ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فرخَّص له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته، فلمَّا وَلَّى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: «فأجب». رواه مسلم.

سابعاً: حصول أجر الجماعة لمن راح إلى المسجد ولو فاتته: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً». رواه أحمد وأبوداود والنسائي.

ثامناً: الترهيب من ترك الجماعة: قال صلى الله عليه وسلم: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلِّي بالناس، ثم أنطلِق معي برجال معهم حِزَمٌ من حَطَب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأُحَرِّق عليهم بيوتهم بالنار». متفق عليه.

تاسعاً: فضل صلاة العشاء والفجر جماعة: عن عثمان رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «من صلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومَن صلّى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله». رواه مسلم.

عاشراً: براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق: قال صلى الله عليه وسلم: «مَن صلَّى لله أربعين يوماً في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كُتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق». رواه الترمذي وحسَّنه الألباني.

حادي عشر: من فضل الجماعة في الفجر: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له أجر حجة وعمرة، تامة تامة تامة». رواه الترمذي.

- ومن فوائد صلاة الجماعة سوى ما ذكرنا:
1. صلاة الجماعة وسيلةٌ لمعرفة أحوال الناس، وزيادة التوادّ والتحابب بينهم؛ إذ إنّ الناس في أدائهم للصلاة جماعةً يكونون على تواصلٍ واتّصال؛ فيعرفون عن مرض أحدهم؛ فيزورونه، ويعرفون عن موت أحدهم؛ فيشيّعون جثمانه ويؤدّون صلاة الجنازة عليه.

2. تساعد صلاة الجماعة على تقوية العلاقات الاجتماعيّة وزيادة الترابط بين المسلمين.

3. إنّ ذهاب الناس إلى المسجد لأداء الصلاة جماعة يسهم في إظهار شعيرةٍ من شعائر الإسلام؛ ففي خروج الناس إلى المسجد لأداء الصلاة إظهارٌ لهذه الشعيرة.
4. تُمكّن صلاة الجماعة الجاهل من تعلم بعض الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالصلاة وغيرها من الأحكام التي غفل عنها؛ وذلك من خلال الذهاب إلى المسجد وأداء الصلاة جماعةً؛ فيستفيد عند رؤية الإمام وغيره من المصلّين.
5. تلعب صلاة الجماعة دوراً كبيراً في تعزيز قيمة المجتمعات؛ من خلال المساعدة في تلاحم أفرادها مع بعضهم، وعدم التفرقة بينهم، فصلاة الجماعة تعدّ من قَبيل الولاية؛ فالحاكم يحكم شعبه، ويتبعه فهذه ولايةٌ كبرى، بينما الإمام هو بمثابة وليٍّ عن المصلّين؛ فيتّبعون ما يقوم به باعتباره قدوةً لهم، وهذه تعدُّ ولايةً صغرى.

6. تسهم صلاة الجماعة في مساعدة الإنسان المسلم على ضبط نفسه، ويظهر هذا من خلال متابعته الدقيقة للإمام أثناء الصلاة.

7. تلعب صلاة الجماعة دوراً كبيراً في تحطيم الفوارق الاجتماعية بين الناس، فيجتمع كلٌّ من الفقير والغنيّ في المسجد لأداء الصلاة؛ ممّا يؤدي إلى احتكاك الفئات المختلفة في المجتمع مع بعضها، وهذا يسهم في إشعار المسلم الفقير أنّه متساوٍ مع المسلم الغنيّ، وإشعار المسلم الغنيّ بأنّه متساوٍ مع المسلم الفقير.

8. تساعد صلاة الجماعة الإنسان المسلم على المحافظة على أوقاته وضبطها، ويظهر هذا بذهابه إلى المسجد في أوقاتٍ معيَّنةٍ، وهي أوقات الصلاة.

*الشيخ رائد فؤاد عبيد