ما نعرفهُ عن نظام الفرزنة هو عملية تفريز الطعام لحفظه من التّلف سواء كان للحوم بأنواعها أو الخضار أو بعض أنواع الفاكهة وإلخ.. وهناك أيضاً شيء آخر يتم تفريزه بلا وعي ولكن تُصبح عمليّة فرزنته عكسيّة !! فبدلاً من أن يحافظ التفريز عليه من التلف إلا أنّ فرزنته تؤدّي لإتلافه.

فهل سمعت يوماً عن فرزنة العقل؟

فمن المعروف أنّ العقل هو شيء غير ملموس ولكن ما يكشف لنا أنّه مفرزن (مجمّد) أم لا، هو الوعي والإدراك، فوعي الإنسان في حياته العملية والفكرية بشكل خاص أو عام هو ما يحدّد لنا ذلك.



إلى هنا نحنُ نتّفق أنّ لابدّ لعقولنا أن تتبرمج على نمط حياة واحدة وعلى طريقة تفكير واحدة في كل مجتمع، وهذا أمر لا مفرّ منه أبداً مهما كان المجتمع متحضّر ومتطوّر، ومهما كانت البيئة التي ننشأ فيها جيّدة أم سيئة، فهي في الأخير برمجة طبيعية لا خلاف عليها.

ولكن متى يتم تفريز العقل؟ وكيف يكون ذلك؟ فبعد أن يكبر الإنسان ويكون عقله مبرمجاً على طريقة تفكير تنتمي للمجتمع الذي نشأ فيه لأطول مدّة من حياته، ومن هنا تبدأ عملية فرزنة العقل!! عندما يختار ذلك الإنسان أن يبقى على برمجته التي نشأ عليها ولا يعمل على تحديث تلك البرمجة بما يتوافق مع قِيمه ومبادئه وقناعاته الشخصية؛ فمثلاً لو اختار أن يحافظ على ما تبرمج عليه دون تغيير شيء منه.. ففي هذه الحالة هو اختار لعقله التّفريز!!

وإن اختار لعقله التّحديث فهو قد حافظ على عقله من التّلف!! لماذا؟

لأن العقل الذي وهبنا الله إيّاه عظيم جداً وقدراته أكبر مما يتصوّرهُ الإنسان، ففي حالة فرزنته فلن يعمل وفقاً لمزاياه وخصائصه التي تُميّز كل فرد عن غيره في هذا العالم، وبالتالي لن يُصبح العالم متجدداً ومتطوّراً لو اختار كل إنسان فرزنة عقله على حسب برمجة المجتمع له، فكيف للاختراعات والاكتشافات أن تخرج للعالم؟ وكيف للعلم أن يتطوّر؟ وكيف سيضع كل فرد منا بصمته في الحياة؟ فلا تختر لعقلك التفريز فهو ليس قطعة من اللحم.