أحلم بمكتبة ضخمة، عالية السقف، لا نهائية الأرفف، تضم جميع مؤلفات من أحبهم من الأدباء ومن لم أعرفهم منهم بعد. كما أتخيلها دائماً من الضخامة بحيث تسمح أن يكون بها غرف سرية أدخلها بعد سحب واحد من الكتب، فأعبر إلى عالم آخر مثل فيلم "سجلات نارنيا" حيث العوالم الأسطورية المدهشة تنتظرني بداخل الخزانة. ولأن الواقع سرعان ما يعيدني إلى رشدي، فإني أكتفي بسحب واحد من الكتب المصفوفة على الرف، وأشرع في قراءته بعيداً عن هذه الخيالات الفانتازية.
ومازلت أعتقد بعد مرور السنوات، واقتناء ما يقارب الألف كتاب، أن هذا الحلم سيتحول إلى حقيقة في يوم ما، وسيكمل آخرون وصيتي في الاستمرار بتطعيم هذه المكتبة بالكتب، وعدم التوقف عن ذلك تحت أي ذريعة.
فوجود المكتبة في البيت ليس ديكوراً، بل هو جزء أساسي من الأثاث على غرار السرير والكراسي والطاولة. وتستطيع أن تقول الكثير والكثير من خلال التمعن في أثاث عائلة ما. فالبيت الذي يخلو من رف للكتب أشبه ببيت مفرغ من الحياة، وتستدل على أن أهله بسطاء وتنقصهم الثقافة.
ولابد -أيها القارئ العزيز- عند قراءتك لعنوان المقال حول جدوى اقتناء الكتب أن تتقافز إلى ذهنك مجموعة إجابات نموذجية جاهزة، على غرار: نحتاج الكتب لأنها مهمة، ولأن القراءة غذاء العقل، ولأنها تساعد في نمو وتطوير شخصية الفرد، كما أنها امتثال للأمر الرباني الأول "اقرأ"، فلابد أن تكون الكتب مهمة.. إلخ، نعم هي مهمة جداً، ولكن الإحصائية التي نشرتها اليونسكو تشير إلى معدلات متواضعة جداً لعدد الصفحات التي يقرؤها العرب مقابل ما يقرؤه الأجانب. فهي تشير إلى شح الصفحات المقروءة "7.5 صفحة سنوياً للفرد!" وبذلك يبدو أن القراءة هواية شبه مهجورة أو هواية من لا هواية له كما يتصور البعض، وإن كنت من فئة القراء فسيتم تصنيفك بأنك شخص لديه ترف في الوقت، أو بعبارة أخرى أكثر واقعية وإيلاماً: شخص فارغ جداً!
وبغض النظر عن صحة هذه الإحصائيات إلا أن الواقع يشير إلى أن هناك مبادرات رائعة وقيمة تحفز الأطفال والناشئة والشباب على القراءة حتى يستعيد الكتاب مكانته ووهجه في النفوس، وهي مبادرات نرفع لها القبعة، مثل مبادرة "تحدي القراءة العربي"، وبرنامج إثراء القراءة "اقرأ" والتي أثبتت أن الاهتمام والتحفيز كفيلان بإعادة تشكيل الأجيال، وأن القراءة وحب الكتب إنما هي المفتاح الأول لصناعة الأوطان وبنائها. وذلك أن الخطوة الأولى نحو عالم أفضل هو البدء في تأسيس مكتبة مصغرة في كل بيت.