حسن الستري


يقضي الشهر الفضيل في جو روحاني.. ويزور مجالس سفراء وعمانيين

أكد سفير البحرين لدى سلطنة عمان د.جمعة الكعبي أن هناك أموراً عدة يفتقدها في شهر رمضان وهو خارج المملكة أبرزها الرونق الخاص بالمائدة البحرينية، إضافة للمجالس الرمضانية، وفعالية القرقاعون.


وذكر أنه يقضي شهر رمضان الفضيل في جو روحاني، حيث تكون هناك دروس إيمانية للعبادة، كما يحرص على زيارة مجالس بعض الأصدقاء السفراء والعمانيين.

وحول الفرق بين شهر رمضان في البحرين وسلطنة عمان، قال الكعبي: «نعتقد أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين مملكة البحرين وسلطنة عمان خاصة أنهما بلدان خليجيان، فلا توجد فروق كبيرة بينهما في عادات شهر رمضان المبارك، لكن لكل بلد خصوصيته وتميزه في عاداته وتقاليده في شهر رمضان خاصة، فعلى صعيد البحرين يرتبط شهر رمضان في وجدان البحرينيين بالتسابق لأداء الفروض والعبادات وفي مقدمتها الصيام والصلاة والقيام وتقديم الصدقات والزيارات العائلية».

وبيّن أن المملكة تعيش أجواء روحانية وإيمانية خاصة مع دخول شهر رمضان المبارك، لما يحمله هذا الشهر الكريم من فضائل دينية عديدة وملامح اجتماعية تجذّرت عبر السنين، ولايزال أبناء البحرين محافظين عليها، ويغرسونها في نفوس الأجيال القادمة، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الموروث الوطني.

وهو ما جعل المواطنين والمقيمين يشعرون بالسعادة ويملؤهم السرور، مستبشرين بعودة الحياة الطبيعية التي تعيد للمشهد الرمضاني قيمه ومظاهره، كمناسبة للتقرب من الله عز وجل بالطاعات والأعمال الصالحة، وزيادة أواصر العلاقات الأسرية والمجتمعية والتكافل بمختلف أبعاده ومنها عودة الجوامع والمساجد إلى استقبال المصلين بكامل طاقتها الاستيعابية، إلى جانب مصليات النساء.

ولفت إلى أن أبناء البحرين يحرصون على الاستعداد مبكراً لهذا الشهر العظيم، وذلك من خلال توافدهم على الأسواق لشراء احتياجاتهم «ماجلة رمضان»، أي شراء مستلزمات رمضان من مأكولات ومشروبات وملابس وزينة وغيرها، وتحرص العديد من الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص على توفير اللحوم والخضروات والفواكه والمواد الغذائية الأساسية في الأسواق بما يضمن استقرار أسعارها، كما تقوم المتاجر والأسواق بتقديم العروض الترويجية والتخفيضات والهدايا لتشجيع الزبائن على الشراء.

كما يحرص المواطنون البحرينيون على ممارسة العادات والتقاليد الرمضانية التقليدية حيث يتجمع أبناء العائلة الواحدة أو الجيران بعد إطلاق مدفع الإفطار حول المائدة الرمضانية المليئة بالأكلات الشعبية المتنوعة والشهيرة في منطقة الخليج العربي مثل الهريس والثريد واللقيمات والخنفروش والمحلبية والكباب والفالودة والطابي وأنواع المقليات وأطباق الحلويات الخليجية المعروفة.

ويقوم البحرينيون بعد صلاة التراويح بزيارة المجالس الرمضانية وتبادل الأحاديث الودية بحضور مختلف شرائح المجتمع. ومثل أغلب الدول الخليجية لايزال البحرينيون يجلسون في جلسات السمر التي تعرف باسم «الغبقات الرمضانية» والتي تتكون في العادة من الأرز المحمر بالسكر أو الدبس المحمر بالسمك.

وفي ليلة النصف من رمضان يحتفل الأطفال بما يعرف بـ«القرقاعون» وهي عادة خليجية ينتشر فيها الصبيان والفتيات في الشوارع وهم يرتدون الملابس الشعبية التقليدية ويرقصون رقصة الفريسة وينشدون أناشيد القرقاعون ويطوفون بين البيوت فيحصلون على المكسرات والحلويات من الأهالي.

أما في النصف الثاني من رمضان تكتظ الأسواق بالمتسوقين المقبلين على شراء الملابس وأثواب العيد والحلويات والمكسرات، وفي الليلة الأخيرة من شهر رمضان يودعه الناس بزفة كبيرة تعرف بـ«الوداع» حيث يتجمع فيها الأهالي وخاصة الأطفال ويسيرون بين الأحياء ينشدون مجموعة من الأغاني الشعبية التقليدية التي يودعون فيها هذا الشهر.

وحول مظاهر شهر رمضان في سلطنة عمان، ذكر الكعبي أن العادات والتقاليد العمانية الأصيلة تشكل قاعدة مهمة وعاملاً مساهماً في تكوين المجتمع، ويظهر ذلك من خلال المناسبات الوطنية والدينية ومنها شهر رمضان المبارك. ويمتاز المجتمع العماني بعدد من العادات والتقاليد التي تمارس في الشهر الفضيل وتختلف من ولاية لأخرى ويمارسها المجتمع أو الأسرة بشكل منفرد داخل المنزل أو خارجه.

ولفت إلى أن الأهالي يستعدون لاستقبال شهر الصيام مبكراً من خلال التسوق وشراء المؤن الغذائية التي يحتاجونها لإعداد الوجبات المعتادة في شهر رمضان كالشوربة وعمل بعض المعجنات كالسمبوسة ووجبة الهريس وغيرها من المأكولات العمانية التي تصنع في المنازل، كما يفضل البعض أكل السمك بعد الإفطار مباشرة وبشكل يومي.

كما يشترك المجتمع العماني مع المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية الأخرى في شهر رمضان المبارك ببعض العادات مثل صلة الأرحام وتبادل التهاني بقدوم الشهر واصطحاب الأطفال إلى المساجد لأداء صلاة «التراويح» بعد شرح نظري وافٍ، ويتم التطبيق عملياً استناداً لهدي النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمحافظة على حلقات الذكر والدروس الدينية المتعلقة بالقرآن الكريم وفضائل الشهر الفضيل والدروس المستفادة منه.

ونوه إلى أنه من العادات والتقاليد العمانية في شهر رمضان المبارك وعندما ينتصف الشهر المبارك تحتفل بعض ولايات السلطنة لاسيما ولايات محافظة مسقط الاحتفاء بليلة النصف من رمضان حيث يتجول الأطفال في الأحياء السكنية داخل الحارات والطرقات في احتفالية تسمى «قرنقشوه» وهي تماثل «القرقاعون» في البحرين وبعض دول الخليج الأخرى، وهي عادة توجد في عدد من دول مجلس التعاون الخليجي، ويتجلى في هذه الاحتفالية مدى التلاحم في العادات والتقاليد بين أبناء دول المجلس ويظهر فيها مدى التراحم والتكافل في المجتمع حيث يخرج الأطفال فيها مرددين أناشيد قيّمة وأدعية مختلفة ويقوم أبناء المجتمع بإهدائهم ومكافأتهم وتقديرهم لإحياء هذه الليالي المباركة وغرس القيم والمبادئ الحميدة في نفوس هؤلاء الأطفال.

ومن العادات العمانية التي لاتزال تمارس في الشهر الفضيل أيضاً الإفطار الجماعي سواء في المساجد أو تجمع أفراد العائلة في بيت أكبرهم سناً، حيث يلتقي الصغير والكبير على مائدة الإفطار مجتمعين في حلقة واحدة، كما أن بعض القرى مازالت تحافظ على إفطار جماعي بما يعرف «السبلة» أو المجلس.

كما تظهر بعض الأكلات العمانية الشعبية في الشهر الفضيل مثل الهريس والعرسية والثريد وتكون حاضرة في مائدة الإفطار إلى جانب التمر والماء واللبن.

وتابع: «دأبت بلدية مسقط أيضاً على إحياء هذه الليلة في الحدائق العامة بهدف إدخال الفرحة على قلوب الأطفال وإحياء لهذا الموروث الشعبي.

كما تصبح الأسواق العمانية الموجودة في معظم ولايات السلطنة مثل سوق مطرح وسوق نزوى والسوق المركزي بمحافظة ظفار أو الأسواق الشعبية الأسبوعية مثل سوق الأربعاء وسوق الخميس وسوق الجمعة مقصداً للاستعداد للشهر الفضيل وتكون مستمرة طيلة الشهر استعداداً لعيد الفطر السعيد والتي تظهر فيه أيضاً ما يعرف بسوق «الهبطات» وهي عبارة عن أسواق مفتوحة لها موعد معين وثابت ومعروف لدى الأهالي وتعتبر إرثاً قديماً بالسلطنة وتشهد إقبالاً كبيراً من الزوار والمواطنين وتقام في جو تقليدي متميز قبل العيد بأيام، وتختلف هذه الهبطات في بعض الولايات في موعد إقامتها، فبعضها تبدأ فعالياته في اليوم ثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك وتستمر حتى آخره، كما اعتاد الأهالي عقب صلاة التراويح على تبادل الزيارات بينهم حيث يذهب أبناء المنطقة لزيارة المناطق الأخرى لتبادل الأحاديث وتناول القهوة العمانية الخاصة التي تكون مميزة في هذا الشهر.

ومن العادات والتقاليد في شهر رمضان بسلطنة عمان أن أبناء الولايات يمارسون بعض الألعاب التقليدية في شهر رمضان بعد صلاة التراويح بالإضافة إلى التجمع ومناقشة الأمور الدينية وسؤال أهل العلم عن الأمور الدينية، أما في الوقت الحالي فيقوم الشباب بعمل المسابقات الدينية والثقافية بالإضافة إلى ممارسة بعض الألعاب الرياضية.

ويمكن القول إنه «على صعيد شهر رمضان في سلطنة عمان فإن هناك بعض العادات والقواسم المشتركة بين البلدين الشقيقين وأبرزها هو الوازع الديني، وهناك أيضاً عادات اجتماعية متشابهة أو قريبة لبعضها بعضاً مثل احتفالية القرانشوه «العمانية» والقرقاعون البحرينية، وغيرها».

وحول كيفية قضائه شهر رمضان في الخارج، قال الكعبي: «نقضي شهر رمضان الفضيل في جو روحاني، حيث تكون هناك دروس إيمانية للعبادة، كما نحرص على زيارة مجالس بعض الأصدقاء السفراء والعمانيين، كما نلتقي بأبناء الجالية البحرينية المقيمين بالسلطنة، ونشارك في بعض المنتديات الثقافية والدينية الرمضانية التي تنظمها بعض الجهات العمانية، كما نشارك في المسابقات الرياضية التي تنظمها وزارة الخارجية».

كما تقيم السفارة احتفال «الغبقة الرمضانية» حيث تحتفل فيه مع أبناء الجالية البحرينية وعدد من المسؤولين بالسلطنة والإخوة العمانيين، فضلاً عن السفراء المعتمدين لدى السلطنة بالشهر الفضيل ولتبادل التهاني ولإحياء هذا التراث الشعبي.

وبخصوص الأمور التي يفتقدها خلال تواجده بالخارج، قال الكعبي: «هناك أمور عدة نفتقدها في شهر رمضان ونحن خارج مملكة البحرين، وعلى صعيد المائدة البحرينية في شهر رمضان، فإن لها رونقاً خاصاً ومتميزاً من خلال العديد من المأكولات والأطباق البحرينية الأصيلة، مثل «الهريس» و«الثريد» و«الجريش» و«اللقيمات» و«الكباب البحريني»، و«الخنفروش»، وغيرها من أطعمة تراثية وتقليدية يجرى إعدادها وتوزيعها بهذه المناسبة، كذلك يحرص أبناء البحرين على تبادل توزيع هذه الأطباق فيما بين البيوت والأسر في مشهد يجسد مدى الترابط المجتمعي بين أبناء الوطن.

أما على صعيد العادات والتقاليد فإننا نفتقد في شهر رمضان المعظم بعض العادات التي ارتبطنا بها حيث يرتبط شهر رمضان في الذاكرة المجتمعية البحرينية بالعديد من العادات والتقاليد التي لاتزال حاضرة وبقوة حتى الوقت الراهن، ولعل في صدارتها «المجالس الرمضانية»، والتي تشكل مناسبة لتلاقي الأصدقاء لتبادل الأحاديث في مختلف أمور الحياة وقضاء أوقات من المتعة والسمر تتناسب والطبيعة الروحانية للشهر الكريم، وكذلك إقامة «الغبقة الرمضانية»، لتناول وجبات خفيفة من الطعام في تجمع يعزز من الأواصر والروابط الاجتماعية.

ومن العادات التي تفتقدها الأسرة البحرينية في شهر رمضان خارج المملكة عادة مثل الاحتفال بمناسبة «القرقاعون» في منتصف شهر رمضان، وهي عادة بحرينية لها أهميتها لدى الكبار والأطفال، ويرتدي فيها الصغار الملابس البحرينية التقليدية المعروفة، وتقدم في أحيان كثيرة وسط احتفالية كبيرة رقصة «الفريسة»، ويرددون في سعادة الأغاني والأناشيد التراثية المرتبطة بهذه المناسبة، وهناك «المسحر» أو «بوطبيلة»، الذي يجول في الأحياء بطبله ليذكر الناس بموعد تناول وجبة السحور مردداً بعض من الأدعية والعبارات، كما يعد «مدفع رمضان»، أحد المظاهر التراثية التي تشترك فيها مملكة البحرين مع العديد من الدول العربية، حيث يتم إطلاق صوته إيذاناً بدخول موعد الإفطار.

ونرى أن الأجواء الروحانية والإيمانية المرتبطة بشهر رمضان المبارك في مملكة البحرين لا يمكن حصرها، فهي تعكس تراثاً زاخراً وتاريخاً ممتداً من ارتباط شعب البحرين بأجياله المتعاقبة بهذا الشهر العظيم. وندعو الله عز وجل أن يجعله شهر خير وبركة ورخاء على مملكة البحرين وشعبها الكريم وعلى الأمتين العربية والإسلامية.