ثامر طيفور - تصوير ومونتاج: نايف صالح


القراءة كانت ومازالت شغفي الأول منذ الطفولة

الرجل البحريني مساند للمرأة.. ويعملان سوياً لتنمية الوطن

حظيت بأسرة داعمة لي في جميع المجالات


العمل الوطني مغروس في نفس كل بحريني غيور


منذ نعومة أظفارها، اختارت الكتاب صديقاً، فكان لها قبس نور تهتدي به، متوارثة ذلك من والدين حرصاً على دعم ابنتهما، وجد كاتب وصحفي وشاعر تغنت البحرين باسمه.

وسط عائلة من النخبة البحرينية المثقفة، نشأت الطفلة دلال في كنفها، ما أورثها حب الاطلاع، وتحمّل المسؤولية مبكراً، وما بين البحرين والكويت، وما بين جامعة البحرين وجامعة الكويت تخرجت المحامية والمشرعة.

الشورية دلال الزايد سردت في حوار مع «الوطن» مسيرتها، متحدثة عن نشأتها وفترة الطفولة، وما الذي دفعها لدراسة المحاماة، وكيف أصبحت علماً من أعلام البحرين في المجال التشريعي، وفيما يأتي الحوار:

كيف كانت طفولتك والنشأة؟

ـ عشت طفولتي بين البحرين ودولة الكويت، جدتي لوالدي من الكويت فعاش والدي فترة من الزمن في الكويت وكنا معه، هذا الجمع بين المكانين كتنشئة كان له أثر في نفسي وكانت أياماً جميلة في كل مراحلها، الإنسان المؤمن بحياته وقدره والمستقبل المرسوم له عليه أن يفرح في حلو المواقف التي مر بها، وأيضاً المواقف الحزينة في حياته تشكل مرحلة في عمره، وكنت في طفولتي شغوفة في مسألة العلم والقراءة وأهوى هذا النوع من الاطلاع والمعرفة.

على المستوى الشخصي، ما أكثر الأشياء التي تستهوي دلال الزايد؟

ـ أحب العلم والقراءة، ومازلت منذ صغري محافظة على هذا الأمر، والدي كان الداعم الأول لي، كان كاتباً شغوفاً بحكم مهنته وعمله، وتعلمت منه أن القراءة علم ومعرفة للإنسان بشكل عام، رغم تنوع الكتب، إلا أنني توجهت لقراءة الكتب في مجال القانون والمحاماة بشكل أكبر، حتى أصبحت المحاماة حلماً يراودني، وعملت على هذا الأساس بجد واجتهاد، وتخرجت بتفوق في هذا المجال.

كيف تأثرت دلال الزايد بالبيئة الأسرية المحيطة بها؟

ـ في نطاق الأسرة أنا مرتبطة جداً بوالدتي الله يعطيها الصحة والعافية، زوجي كان له مواقف ساندتني في عملي وفي وظيفتي، سواء على مستوى المهنة أو عند مباشرتي مسؤوليتي في مجلس الشورى.

من المهم جداً للمرأة أن يكون لديها بيئة مساندة، وخاصة في أسرتها، ويجب هنا الإشارة إلى ضرورة المحافظة على الارتباط مع الزوج والأبناء، والمفترض فينا أنه مهما بلغنا من مناصب في صنع القرار أو عملنا المهني، أن نحرص على أن تكون العلاقة بالوالدين والأبناء قوية ومتينة، ونؤدي فيها هذا الواجب.

منذ صغري مروراً بحياتي الجامعية وبداية زواجي، وعندما أصبح لدي أطفال صغار، كانت أمي دائماً مساندة لي في هذه المراحل، ومهما أديت لها وبررت فيها فلن أخرج عن «جزاها» كما نقول بالعامية.

هذا الأمر مهم جداً في حياتي، التواصل الأسري ضروري، وتواجدي مع والدتي على سبيل المثال أمر ضروري، وانعكاسه يكون بركة ورضا من رب العالمي، وتوفيقاً بالدنيا، النجاح لا يرتبط بما حققته فقط في عملك أو مهنتك، بل بر الوالدين جزء من أي نجاح.

عند النظر إلى المقابلات جميعها، سترى أن الأساس ومفتاح النجاح دائماً هما الوالدان، والإنسان عليه أن يهتم بذويه، وبالجهد والتعب يستطيع الشخص النجاح، قد ينكسر مرة ومرتين ولكن يستطيع مع الوقت تحقيق النجاح.

لماذا اخترتِ دراسة الحقوق؟

ـ استطعت الالتحاق بجامعة الكويت - كلية الحقوق، وكل من تخرج في جامعة الكويت ودرس فيها يعلم تماماً كيف كانت دراسة القانون صعبة، حتى التحصيل العلمي فيها كان صعباً جداً، نحن مدينون للدكاترة والأساتذة الذين قاموا بتدريسنا القانون، القانون هو المنظم، وهو من يمنح الحقوق لأصحابها.

في الجامعة، تعلمنا دلالات كل حرف وكل كلمة، المعنى السامي لمسألة أن يكون الشخص محامياً أو أن يتعامل مع القانون، ومنح الحقوق لأصحابها زرع فينا فكراً نشأنا عليه.

متى عدتم إلى البحرين، وكيف كانت فترة الدراسة؟

ـ بعد تخرجي كانت فترة انتقالية، درست أول سنة بالجامعة وبعدها قرر والدي رحمه الله العودة إلى البحرين للاستقرار فيها، وصادفتني صعوبات في أثناء الدراسة، حيث توقفت بسبب الغزو العراقي للكويت، فتعطلت الحياة آنذاك فيها وأكملت بعض المواد في جامعة البحرين.

وبعدما عادت الدراسة للكويت رجعت وأكملت دراستي، وبعد أن تخرجت حققت الحلم بأن أكون محامية تحت التدريب، وبعد ذلك فتحت مكتباً خاصاً بي، ومازلت مستمرة في هذه المهنة، وبعدها تشرّفت بعضوية المجلس الأعلى للمرأة وكانت نقلة كبيرة بالنسبة لي.

مهنة المحاماة هي مهنة سامية، يستطيع الإنسان أن يحقق فيها نجاحات تحسب له، فيها الكثير من أنواع القضايا والدعاوى، وأكثر القضايا التي استلمتها في بداية مسيرتي هي الدعاوى الشرعية.

كنت أركز على الدعاوى الشرعية باعتبارها ماسة بالأسرة، كانت لدي الرغبة في المساهمة في استقرار الأسرة، والمبادئ التي عملت عليها هي الصلح والوساطة والتصالح للحفاظ على كيان الأسر، وحققت نجاحاُ كبيراً في هذا الجانب.

اليوم بعد سنوات من العمل على بعض قضايا الأسرة، يزورني شباب وشابات كنت قد عملت على القضاء بين أسرهم سابقاً عندما كانوا أطفال، وجميل جداً أن أسمع منهم أنني كنت في يوم جزءاً من الحماية لهم ولكيان أسرهم، هذه أمور تُسعد القلب.

بعد ذلك، أصبح لدي تخصص في مجال القضايا العقارية والإدارية والمدنية، وتوسعت في هذا المجال بحسب حاجة العمل المهني، وتعلمنا من السادة القضاة، معنى الالتزام القانوني، سواء في المرافعات أو الكتابات.

ما هي نصيحتك للمحامين المستجدين اليوم؟

ـ حسناً، سأوجه كلمة للمحامين الشباب حديثي التخرج ومن دخلوا حديثاً في هذا المجال، كل شيء يأتي بالجهد والتعب، ممكن أن تنكسر مرة ومرتين، قد تخسر وقد تربح، وقد تضيق بك الدنيا.

ولكن تذكر دائماً أن بعد الضيق الفرج، الكثير من الموكلين كانوا يأتوننا والدنيا تضيق بهم، وقد نخرج عن مهنيتنا كمحامين ونتعاطف من الباب الإنساني معهم، المكسور يجبر، وإعطاء الأمل هو جزء من عمل المحامي.

رأينا أناساً في قضايا وظروف مديونية معينة تكون أحوالهم سيئة، ولكننا كمحامين يجب أن نقف معهم وندعمهم ونساندهم، ومع دعم أسرهم والمجتمع، يستطيع الإنسان إعادة بناء ذاته، والتحسن إلى الأفضل هو طريق التطور الطبيعي لحياة البشر.

وأوجه رسالة هنا للشباب بشكل عام، عيشوا حياتكم بحلوها ومرها، نحن عشنا شبابنا في وقته، شعرنا أن الظروف صعبة ولكنها فرجت، وكذلك في حالتكم، الحياة تسير لا تجعل من شيء يقف في طريقك.

هناك صعوبات كبيرة واجهتنا أثناء شبابنا، والحمد لله كافحنا ووصلنا، لا يجب أن تسمح لأحد بأن «يكسر مجاديف»، كل زمن وله تحدياته وله ظروفه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والحياة تسير.

أجدادنا لم يكن لديهم لا تكنولوجيا ولا قدرة مالية ولا شيء، ولكنهم أيضاً حققوا نقلة نوعية في حياتهم، ولابد من فتح الآفاق اليوم للشباب لمساعدتهم في أن يكونوا جزءاً من تنمية الوطن.

لماذا دخول المجلس الأعلى للمرأة يعتبر انتقالة كبيرة؟

ـ نعم، بدأت أدخل في الأمور المرتبطة بتمكين وتقدم المرأة، وفي تخصصنا القانوني على وجه الخصوص، بما ينفع البلاد في هذا المجال، وصاحبة السمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة كان لها فضل كبير علينا كنساء، بأن نكون فعلاً عاملات ضمن إطار مؤسسي تنظيمي.

قمت بالتركيز على مسألة كيفية عمل النساء البحرينيات، لتدعم المرأة مسيرة تنمية وطنها، بالإضافة إلى الدعوة إلى التميز في العمل الوطني، وكان هناك التنسيق حول الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة البحريني.

وجودي في المجلس الأعلى للمرأة كان مفيداً لي بشكل كبير، استطعت من خلال ذلك أن أسخر خبراتي القانونية، وخدمة بلدي في هذا الجانب، ومثلت البحرين عربياً ودولياً، وبينا مشاركة المرأة البحرينية وإنجازاتها.

المرأة في البحرين لا تعاني من أي تمييز أو إقصاء مجتمعي، وهذا الأمر ثابت على مر العصور، وعندما تولى جلالة الملك حمد ملك البلاد المعظم، وتم إدخال التعديلات الدستورية، وجدت المرأة مسألة المساواة أمام القانون بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، قد ترسخت، بدءاً من مباشرة الحقوق السياسية وغيرها من النصوص الموجهة للمرأة، وهذا الأساس القوي في مسألة وضع الأطر الدستورية الداعمة للمرأة البحرينية، كملت لما ترسخ تاريخياً، وأعطانا الدافع كنساء لأن نتشارك مع الرجال في المساهمة بتنمية البلاد.

وفي أثناء ذلك حظيت بشرف تعييني في مجلس الشورى، وجلالة الملك المعظم جعل للنساء نصيباً في مجلس الشورى، وهذا كان داعماً أيضاً للمرأة في المجلس المنتخب، وهذه الثقة كان لها انعكاساتها على زملائنا في المجلس، من حيث كيفية عملنا معهم.

كيف كانت رحلة العمل في مجلس الشورى؟

ـ توليت رئاسة اللجنة التشريعية والقانونية في مجلس الشورى، وهي في طبيعتها نعتبرها من اللجان السيادية من ضمن اللجان الموجودة، لا يمكن اليوم أن نستذكر ما عملنا على شكل نقاط على سبيل المثال، لأنه مهما أدينا فهذه مسؤوليتنا، وواجبنا الوطني، ونقيس الأثر بالاقتراحات بالقوانين التي أسهمنا فيها، حتى تصبح واحدة من المنظومة التشريعية في مملكة البحرين.

كما أود هنا الإشارة إلى دورنا كنساء في المناقشات العامة في المجلس، بحكم عملي كمحامية، وتخصصي القانوني، أسهمت في عدد متنوع من المشاريع والاقتراحات بقوانين، جزء منها مرتبط بالحياة الأسرية مثل قانون الأسرة، وقانون صندوق النفقة، وهذه كلها قوانين تدعم الجانب الأسري.

عندما أرى أن تلك القوانين مطبقة اليوم، ونتائجها يؤخذ بها وتتطبق، أشعر بأنه كان لي دور في هذا التشريع، كنصوص أثمرت، ونظمت علاقة الأفراد بعضهم بعضاً، وساهمت في دعم الأسرة.

كذلك كان لنا بعض المشروعات التي لها علاقة بالجانب الاقتصادي، وكذلك تعديل بعض القوانين القائمة وتطويرها، وأسعد كثيراً عندما أرى زملائي المحامين يؤيدون اقتراحات قدمتها أو قمت بها.

الوطنية والعمل الوطني، هو أمر مغروس في نفس كل بحريني غيور، وهي أمر لا يمكن فيه التفاوت ما بين صاحب منصب أو موظف أو أم أو أب يؤدون مهامهم في المنزل لأسرهم وأبنائهم، الوطنية لا نفاضل فيها، وهي ليست حكراً على من يكون في موقف لصنع القرار.

وفي أثناء وجودي في مجلس الشورى حظيت بعضوية البرلمان العربي وهو برلمان يجمع الدول العربية كافة، ومن خلال تواجدي في هذا البرلمان أبديت دوراً تشريعياً على مستوى الدول العربية، وقدمت تشريعات استرشادية من الممكن للدول العربية الأخذ بها، والرجوع إليها إذا ما أرادت تنفيذ أحكامها، وتم ذلك في عدد من الأمور، أهمها في مجال العقوبات والإجراءات الجنائية.

ما الذي يعنيه أن تكوني ممثلة للبحرين بالبرلمان العربي؟

ـ مثلت البحرين أنا وعدد من الزملاء وشاركنا في البرلمان العربي كممثلين عن مملكة البحرين، واقترحنا قوانين كان لها دور كبير في ترسيخ القوة العربية، بما يحفظ مصالح الدول العربية التي تهدف إلى التكاتف والتآزر، فكان هذا بعداً عربياً في مسيرتي وعملي وتكريساً لعملي التشريعي في مجلس الشورى، حيث جمعتني عضوية البرلمان العربي مع الأخ عبدالرحمن جمشير، وهو من الذين أعتز بزمالتي معهم طيلة فترة تواجدي في المجلس، وعملنا معاً في البرلمان العربي.

كيف تصفين مشاركتك في مجلس الشورى وهذه التجربة التشريعية؟

ـ قبل كل شيء، أوجه رسالة شكر لزميلاتي وزملائي في مجلس الشورى، فطيلة وجودي كعضو في مجلس الشورى لم ألمس إلا الأخوّة الصادقة معهم، كانوا إخوة مساندين في جميع الفصول التشريعية التي حظيت بشرف التجديد فيها.

ودائماً ما كانت تسبقهم الكلمة الطيبة، والشكر، والثناء، والفرحة التي تخرج من القلب على الإنجازات التي عملنا عليها، كانوا وخصوصاً الرجال منهم داعمين للمرأة.

في البحرين وعبر التاريخ الرجل كان مسانداً للمرأة، وهذا الأمر لمسناه بشكل واضح في مجلس الشورى، والمرأة البحرينية بمجلس الشورى استطاعت إدارة لجان سيادية، وكان الرجال يصوتون باختيار المرأة لذلك.

الرجال في البحرين تاريخياً تربوا منذ أجدادنا وأجداد أجدادنا، على أن المرأة مصدر احترام، نحن شقائق للرجال في تنمية هذا البلد ورفعته والبلد، والبحرين أرست فينا هذا المبدأ، وأرست فينا مبدأ المساواة دستورياً وتشريعيّاً.