أيمن شكل – تصوير: ثامر طيفور


لم أكن أحلم بأكثر مما حققته عبر 5 عقود من العمل الوطني

ذكريات عسكرية وأخوية مع المشير «أبو محمد»


ذكريات وروابط مع وزير الداخلية يصعب شرحها

الإذاعي فاروق شوشة شجعني وقال لي «بتوصل»

كنت أول مذيع ينقل مباريات كرة القدم عبر الأثير

رحلة غوص وطواشة مع الوالد تعلّمت منها الكثير

لم أتأخر يوماً عن باص المدرسة وكنت حريصاً على العلم


3 مراحل في عمر سلمان بن هندي شكّلت مسيرة حياته المهنية، فبدأ بالإذاعة ومنها لقوة دفاع البحرين، ثم محافظاً للمحرق وحتى اليوم، وكان كذلك أول مذيع ينقل مباريات كرة القدم عبر الأثير.

وفي حوار حول مسيرته مع «الوطن»، استرجع بن هندي ذكرياته، حيث لم يكن ليتمنّى أن يحظى بأكثر مما حققه عبر أكثر من 5 عقود في العمل الوطني، موضحاً أن عمله في الإذاعة أشبع رغبته ولم ينقطع عن هذا العمل أثناء عمله في قوة دفاع البحرين.

وأكد أن البحر والغوص لصيد اللؤلؤ كان مهنة الآباء التي ورثوها عن الجد محمد بن راشد بن هندي المناعي وتناقلوها كابراً عن كابر وإلى أن وصلت للوالد الذي حضرت معه تجهيز السفن والتوجه للغوص لجمع اللؤلؤ البحريني من الهيرات.

وأوضح بن هندي، أنه حينما كان في المدرسة، لم يتخلف يوماً عن الباص المدرسي، بل كان مثالاً للطالب المثالي والمواظب والحريص على العلم، ومن أوائل المنتظرين لقدوم الباص قبل موعده.

ولفت إلى أن الغوص، مهنة بدأت بالاندثار قبل بلوغه مرحلة الشباب، عندما تأثرت باللؤلؤ الصناعي الياباني الذي قضى على أهم مهنة في البحرين آنذاك، ومثل نهاية لمرحلة الغوص والطواشة.. وفيما يلي نص الحوار:

دعنا نبحث في أصول عائلة بن هندي؟

- أصلنا يعود إلى منطقة قلالي والتي انتقلنا منها بعد ذلك إلى المحرق وسكنا في الفريج الذي سمي باسم العائلة، لكن ذاكرتي الخاصة تبدأ من فريج بن هندي وارتباط هذا الفريج بالبحر، حيث تربيت في البيت العود الذي يضم الأعمام بالإضافة إلى عائلتنا المكونة من 4 أشقاء وشقيقتين، وهذا المحيط الصغير مثل الانتماء الأول ليتسع بعد ذلك ويضم أهالي الفريج والأقارب.

ماذا عن ذكرياتك مع البحر؟

- البحر والغوص لصيد اللؤلؤ كان مهنة الآباء التي ورثوها من الجد محمد بن راشد بن هندي المناعي وتناقلوها كابراً عن كابر وإلى أن وصلت للوالد الذي حضرت معه تجهيز السفن والتوجه للغوص لجمع اللؤلؤ البحريني من الهيرات.

فعندما كنت صغيراً اصطحبني والدي وأخي صالح في رحلة طواشة لشراء اللؤلؤ من السفن بالإضافة لما يتم صيده خلال الرحلة، وعشنا فترات عظيمة في تلك الرحلة وعاصرت فترة ازدهار المحرق باعتبارها محطة لسفن الخليج التي تأتيها من كل مكان، حيث كان يأتيها بحارة من الكويت وعمان وقطر والإمارات، ولم يكن هناك أي مانع من الاستقرار والعيش في البحرين، عندما وجدوا من أهلها الترحاب والمحبة.

هل جرّبت الغوص أو الطواشة وأنت صغير؟

- لم يسمح والدي بذلك لأنني كنت صغيراً، ولأن تلك المهنة لها أصول وتحتاج لاحترافية وفيها من المصاعب ما لم أكن لأقوى عليها في تلك المرحلة العمرية، وللأسف فقد بَدَأت تلك المهنة في الاندثار قبل بلوغنا مرحلة الشباب، عندما تأثرت باللؤلؤ الصناعي الياباني الذي قضى على أهم مهنة في البحرين آنذاك، ومثل نهاية لمرحلة الغوص والطواشة.

من هم أصدقاء مسيرة الطفولة والشباب؟

- لا يمكن اختصار الأصدقاء في اسم أو مجموعة لأن الفريج بشبابه جميعاً استمروا رفقاء الطفولة وصولاً للشباب، كذلك عندما توجهت إلى المنامة في المرحلة الثانوية للدراسة في المدرسة الوحيدة التي تستقطب كل أبناء البحرين، وهي مدرسة القضيبية، تعرّفت على شخصيات أكثر وذات تنوّع أشمل جاؤوا من كافة المناطق، وهو ما أثرى معارفي من إخوة أعزاء وشخصيات وطنية جاءت من المنامة وجدحفص والرفاع وسترة والزلاق وغيرها من المدن لتجتمع في هذه المدرسة.

وعشنا في تلك الفترة المجد العربي، حيث كانت البحرين حاضرة في المشهد العروبي، وخاصة أهل المحرق الذين أنصتوا لنداء العروبة وتابعوا بشغف كل حركات الاستقلال في الدول العربية، وقد كان طلبة المرحلة الثانوية يمثلون ترمومتر الحالة الوطنية.

كيف كانت وسائل المواصلات اليومية للمدرسة من المحرق؟

- كانت وزارة التربية والتعليم، تُوفر للطلبة بجميع مناطق البحرين تلك الحافلات العتيقة، وقد كانت رحلة يومية جميلة نستمتع بها، حيث كان الباص يمرّ على مناطق سكن طلبة المحرق في عدة أماكن لينطلق بعدها إلى المنامة ثم يعود بنا نهاية اليوم الدراسي.

هل تذكر يوماً تخلّفت فيه عن موعد الحافلة؟

- لم يحدث يوماً أن تخلّفت عن الباص، بل كنت مثالاً للطالب المثالي والمواظب والحريص على العلم، ومن أوائل المنتظرين لقدوم الباص قبل موعده.

هل تتذكر بعض المعلمين الذين حفروا أسماءهم في ذاكرتك؟

- الأسماء كثيرة ولعل أبرزها وما أذكره الآن منهم، الأساتذة؛ محمد يوسف معلم التربية البدنية، والراحل عبدالملك الحمر مدير المدرسة، وجميل الجشي وآخرون، لكن أهم ما كان يميّز العلاقة معهم أنها ليست علاقة طالب بمعلم، وإنما المحبة والمودة التي جعلت من تلك العلاقة تخرج عن نطاق الطالب والمعلم، وهو ما ضاعف حبنا للمدرسة والتعلم.

لماذا تذكرت معلم التربية البدنية في البداية؟

- كنت من المحبين لحصص التربية البدنية والرياضة منذ المدرسة الإعدادية التي أذكر من معلميها الأستاذ عبدالوهاب السيسي والأستاذ شناف فيصل، وكنت أساعد الأستاذ محمد يوسف في تحضير أدوات حصة التربية البدنية، كما شاركت ضمن الفريق الأول لكرة الطائرة، لكن العمل الإعلامي، والإذاعي على وجه الخصوص، أخذني أكثر في المرحلة الدراسية، ثم جاءت المرحلة الثانوية لتؤسس نقطة الانطلاق نحو الإعلام.

فقد كنت أسجل نشرة الأخبار وأقرأ الجريدة، ولشغفي الكبير بمهنة المذيع تواصلت مع الشاعر والإذاعي المصري الكبير فاروق شوشة، وكنت أسجل أشرطة بصوتي وأرسلها له، ويرد عليّ ويعطيني نصائح ويقول لي «بتوصل» ولذلك رسمت طريقي من البداية لكي أستمر في العمل الإعلامي.

متى وكيف بدأت العمل مع الإذاعة؟

- تواصلت مع إذاعة البحرين خلال المرحلة الثانوية، وبدأت تلك العلاقة من خلال المسرحيات المدرسية السنوية التي كان يشرف عليها الكاتب الأستاذ علي اللبابيدي من خريجي معهد الفنون المسرحية ويخرجها الأستاذ معتز، وكان المسؤولون في إذاعة البحرين يتابعون الأنشطة الثقافية للمدارس الثانوية وحضروا إحدى المسرحيات التي كنت أتولّى الإلقاء فيها، وعندها طلبوا مني الحضور إلى الإذاعة في اليوم التالي.

وكيف كنت تذهب إلى الإذاعة؟

- كانت سيارة الإذاعة تأتي أمام المدرسة لاصطحابنا نحن الطلبة المتعاونين مع الإذاعة، لنلتقي مع المسؤولين مثل الأستاذ عتيق سعيد وأحمد يتيم اللذين كانا كتاب تمثيليات وقصص، وأذكر من الطلبة المتعاونين في تلك الفترة الزميلات بروين زينل وأمينة حسن وعائشة عبداللطيف.

ماذا كان شعورك عند أول تجربة أمام ميكروفون الإذاعة؟

- لم أشعر بالخوف أو الرهبة من الميكروفون وذلك لأن لي تجارب سابقة في التمثيل والإلقاء خلال مرحلة المدرسة الثانوية، لكن يبقى البث المباشر الأكثر رهبة لأي مذيع حتى لو كان محترفاً.

ما هي أبرز البرامج التي قدمتها في الإذاعة؟

- في البداية كنت أقدم نشرة الأخبار، ثم برنامج

«55 ساعة»، واستفدت من تجربتي الرياضية بتقديم أول برنامج رياضي إذاعي متكامل، وكنت أول مذيع ينقل مباريات كرة عبر الأثير.

العمل الإعلامي يحتاج دائماً للتطور والارتقاء، كيف استفدتم من ذلك؟

- بالفعل ولذلك قرّرت السفر إلى القاهرة للالتحاق بمعهد الإذاعة وقضيت هناك فترة جميلة مع مذيعين من الدول العربية، وتدربنا في إذاعة القاهرة على يد الأساتذة جلال معوض وأميمة عبدالعزيز.

ومن كانوا رفقاء الدرب الإذاعي في البحرين؟

- أذكر الراحل سعيد الحمد الذي كان من زملاء تلك المرحلة وكذلك الأستاذ الشاعر حسن كمال، والأستاذ إبراهيم كانو.

وعشت في الإذاعة أحلى فترات الشباب وكونت أفضل الصداقات، فقد كانت إذاعة البحرين فريدة في المنطقة ولها شعبية، وهو ما انعكس علي كمذيع مشهور في البحرين.

حدثنا عن النقلة التي حدثت في حياتك من العمل الإذاعي والإعلامي للعمل العسكري؟

- عندما أعلن جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، «حينما كان ولياً للعهد» عن إنشاء قوة دفاع البحرين، فكّرت في الانضمام إليها ولكن من خلال العلاقات العامة والإعلام، وفي أحد الأيام سافر سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، وكان سمو ولي العهد يتولى أمور الديوان خلال سفر الأمير الراحل، فطلبت مقابلته حيث إنه يعرفني كمذيع ومن عيال بن هندي، وجاءت الموافقة أثناء هذه الفترة وتوجهت إلى الديوان والتقيت بجلالة الملك المعظم الذي رحب بي وقال لي: «إيش عندك؟».

قلت: «يا طويل العمر تدري أنني مذيع في إذاعة البحرين وأعتقد أن قوة دفاع البحرين تتطلب وجود إدارة للعلاقات العامة والإعلام، وأتشرف بالعمل فيها مع سموك».

وبالفعل حصلت على الموافقة وانضممت إلى قوة دفاع البحرين لأسافر إلى المملكة الأردنية الهاشمية مع مجموعة من الشباب وتخرجت من الكلية العسكرية لأعود للعمل في إدارة العلاقات العامة.

أنت إعلامي فلماذا تدرس المواد العسكرية؟

- من المهم لكل شخص يعمل في قوة الدفاع حتى لو كان في إدارة مدنية، أن يكون لديه اطلاع وخبرة في العمل العسكري والميداني حتى يكون الحديث عن رجال الدفاع بواقعية.

وكان من أبرز البرامج التي قدمتها في تلك الفترة، هو استحداث برنامج إذاعي أسبوعي يتحدث عن قوة دفاع البحرين وأخبارها وتعريف المواطنين بكل ما يتعلق بأنشطة قوة الدفاع، وظل هذا البرنامج لسنوات حتى تمت ترقيتي إلى مدير شؤون الضباط والأفراد، وبعد ذلك إلى منصب مدير ديوان القيادة العامة، وبالقرب من المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة القائد العام لقوة دفاع البحرين، «أبو محمد»، وبقيت ملازماً له خطوة بخطوة ورأيت فيه قائداً صاحب مدرسة من مدارس العمل العسكري والدفاعي.

كما تشرفت برفقة معالي الشيخ عبدالله بن سلمان

آل خليفة والذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان في تلك الفترة.

كذلك من رفقاء تلك الفترة معالي الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية الذي كان نعم الرجل والقائد والصديق والأخ وتمنيت له التوفيق ودعوت الله أن يرفع من مكانته وقدره.

كانت لك علاقة وطيدة بالشيخ راشد بن عبدالله خلال العمل في قوة الدفاع، حدثنا عنها؟

- تزاملنا في العمل حين كان قائداً للدروع ثم انتقل بعد ذلك إلى القيادة العامة، لكن العلاقة الحميمة تجاوزت زمالة العمل لأنها تمتد عبر مرحلتي الطفولة والشباب، فنحن «عيال المحرق» ونادي المحرق، الذين بينهم تاريخ ممتد عبر السنين ومحفور على أرض أم المدن، ولذلك كثيراً ما أجد الأصدقاء يسألونني: «ويش وياك ويا وزير الداخلية» لكنها روابط لا يمكن شرحها في كلمات بسيطة.

ولقد كان الشيخ راشد يفضل كرة القدم بينما أنا اخترت كرة الطائرة، ولذلك أسست أول فريق لكرة الطائرة في النادي، ثم افترقنا لفترة حين توجه إلى العمل العسكري وأنا إلى الإذاعة ثم عدنا والتقينا مرة أخرى في قوة دفاع البحرين.

حدثنا عن المرحلة الثالثة من مسارات حياتك والتي استمرت إلى اليوم كمحافظ للمحرق؟

- صدر المرسوم الملكي بتعييني محافظاً لمحافظة المحرق في عام 2002، وهذه كانت النقلة الثالثة في مسيرتي المهنية، فلبيت نداء جلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه، وها أنا اليوم أواصل هذا العمل الوطني في خدمة أهلي وبلدي.

متى قررت الزواج خلال المراحل الثلاث؟

- لم تكن الزوجة بعيدة أو استغرقت مني بحثاً، فهي ابنة عمي التي اقترنت بها بعد أن حصلت على رتبة ملازم أول في قوة دفاع البحرين، وكان ذلك في عام 1973، ورزقنا الله بعيسى ويوسف وراشد أبنائي الذين اختار الولدان منهم العمل في قوة الدفاع، بينما يعمل يوسف في وظيفة حكومية بالجمارك.

في المراحل العملية الثلاث من عمر سلمان بن هندي.. ما هي المرحلة الأكثر قرباً إلى قلبك؟

- أعتز بعملي في قوة الدفاع وكل مراحل عملي خلال مسيرتي، فعملي في الإذاعة أشبع رغبتي ولم أنقطع عن هذا العمل أثناء عملي في قوة الدفاع، وها أنا اليوم في منصب محافظ، لكن لو عدت إلى شبابي لأتمنى شيئاً أحققه في مستقبلي ما كنت تمنيت أكثر مما تحقق لي.