في ظل التعتيم الكبير الذي تفرضه السلطات الإيرانية على الاحتجاجات المستمرة الجارية في إيران عبر حجب الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، دعا ما يقرب من 100 صحافي وناشط إعلامي إلى حرية وصول الناس إلى الإنترنت في إيران.

ودخلت الاحتجاجات الشعبية في إيران منعطفاً جديداً في شهرها الثاني مع استمرار زخم الشارع لاسيما بين الفئات الشابة من الفتيان والفتيات. وشهدت مدن مثل سنندج وأصفهان وطهران مشيرات احتجاجية كبيرة اليوم رُددت فيها هتافات ضد الباسيج وهتاف «الموت للديكتاتور». كما شهدت مدرسة للبنات حدثاً غير مألوف إذ تحول قص الشعر الجماعي للفتيات إلى نوع جديد من الاحتجاج.

في سياق آخر، ارتفعت حصيلة القتلى جراء الأحداث التي شهدها سجن إيفين في طهران، إلى ثمانية نزلاء، وفق ما أفادت السلطة القضائية، بعد وفاة أربعة متأثرين بجروحهم.



وسجن إيفين معتقل للكثير من معارضي النظام، وأحيانا المحطة الأخيرة في حياة عدد منهم، لذا فإن ما حدث فيه يكشف تصاعد الغضب ويضع النظام أمام تحد جديد يقلق قادته.

وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» فقد ردد معارضون مسجونون هناك شعارات مناهضة للحكومة قبل اندلاع العنف والحريق المميت.

وألقت السلطات باللوم على محاولة هروب من المجمع الذي أقامه الشاه قبل خمسة عقود، إلا أن شهودا ومدافعين عن السجناء قالوا إن الحادث علامة أخرى على أن الاحتجاجات التي لا قيادة واضحة لها تنتشر خارج سيطرة الحكومة.

الشرارة من جناح النساء المعتقلات

وتنقل الصحيفة روايات عما حصل داخل أسوار السجن لنشطاء قالوا إن الأمر بدأ في جناح النساء في السجن، عندما حطمت سجينات باب المبنى المكون من طابقين والذي يضم حوالي 45 سجينة، وانتقلن إلى منطقة الموظفين في ساحة السجن، وبدأن يرددن شعارات مناهضة للحكومة. وتضيف أن أحد حراس السجن حذر النساء، وبعضهن لم يكن يرتدين الحجاب الإلزامي، من أنهن سيقتلن ما لم يعدن إلى المبنى.

كان هناك جناح آخر متضرر من الحريق يضم سجناء سياسيين، وفقا لروايات جمعتها النقابة الحرة للعمال الإيرانيين، المظلة الرئيسية للنقابات العمالية، فإن بعض سجناء إيفين تجمعوا في الفناء ورددوا شعارات ضد الحكومة. وأظهرت مقاطع فيديو مشاهد فوضوية وأصوات لإطلاق النار وأناس يصرخون: «الموت للدكتاتور».

أضرار كبيرة بالسجن

وتسبب الحريق في سجن إيفين، بأضرار بالغة بأحد أكبر المباني في المجمع، وفقا لصور أقمار اصطناعية التقطتها شركة «بلانيت لابز»، وتُظهر الصور أن السقف احترق في مبنى كبير يمثل جزءا من القسم الشمالي من سجن إيفين، الذي يضم أيضا سجناء مدانين بتهم جنائية.

ونقلت صحيفة اعتماد الإصلاحية، عن مصطفى نيلي، محامي بعض السجناء السياسيين في سجن إيفين، تعريفه بإحدى المناطق المتضررة باسم «جناح 8». ووصف المعتقلين هناك بأنهم سجناء سياسيون وآخرون أدينوا بتهم مالية.

كما قال إن السجناء السياسيين في «الجناح 4» من السجن استنشقوا الغاز المسيل للدموع أثناء الحادث. وقالت وكالة تسنيم إن جناحي إيفين 6 و7 أصيبا بأضرار أيضا.

مقتل ضابط بالحرس الثوري

إلى ذلك، أعلن الحرس الثوري مقتل احد ضباطه ويدعى مهدي لطفي على يد شباب طهران. وبحسب رئيس شرطة العاصمة، أمر الحرس الثوري بإنزال فرقة منه تضم ضباطاً من الأكثر رشاقة ومهارة، إلى مكان تجمع المحتجين بعد حادث سجن إيفين، الا ان الفرقة تعرضت لإعاقات من قبل إيرانيين سكبوا الزيت على الطريق وألقوا زجاجات حارقة.

قوات النخبة «صابرين»

في سياق متصل، قالت صحيفة نيويورك تايمز ان الحرس الثوري سيكون الخاسر الأكبر لو انهار النظام، ولهذا يحاول منع هذا السيناريو، وقام باستبدال الباسيج بقوات النخبة لقمع وسحق المتظاهرين.

وأشارت الصحيفة في تقرير أعده بن هبارد وفرناز فصيحي إلى أن الخميني أنشأ «الحرس الثوري» لحماية النظام من الانقلابات والانشقاقات في الجيش النظامي، حيث تحول الحرس إلى أقوى منظمة عسكرية في البلاد وتغلغل في المؤسسات الاقتصادية.

ولفت التقرير إلى أن الحرس الثوري كان موجودا بجانب الباسيج على الخطوط الأمامية ويمارسون أقسى الأساليب في قمع الاحتجاجات، لكنهم فشلوا وبدلا من ذلك ظهرت في شوارع طهران والمدن الأخرى مجموعات جديدة وقاسية ترتدي زيا أسود مموها قال شهود عيان إنهم من فرقة النخبة في الحرس والمعروفة بـ «صابرين».

تعب وعدم ارتياح في صفوف الشرطة

ورأى التقرير أن مصير حركة الاحتجاج، بات معلقا بتماسك وولاء الحرس الثوري وقوات الأمن المتعددة الأخرى في البلاد.

وفي حين لم تظهر أي تقارير عن انشقاقات في قوات الأمن، إلا أن إشارات برزت عن تعب في صفوف العناصر التي تواجه المتظاهرين وشعور متزايد بينهم بعدم الارتياح من مستويات العنف وبخاصة ضد الفتيات.

ولمنع الانشقاقات، حذر قادة الجيش والشرطة الجنود بأنه لو انهار النظام، فستقوم المعارضة بإعدامهم، بحسب ما أفاد به مصدر من الحرس الثوري لـ«نيويورك تايمز».

ويقوم فرع الاستخبارات بالحرس الثوري باعتقال وتخويف المعارضين والناشطين السياسيين.

وقال جواد موغوي، صانع الأفلام الوثائقية المقرب من الحرس «لقد تغير شكل القوات في الشوارع بشكل واضح»، وأضاف أن الحرس أرسل قوات من وحدة «صابرين».

وانتقد موغوي الذي يشغل والده وشقيقه مراكز عليا في الحرس، العنف ضد المتظاهرين: عنصر يجر امرأة من شعرها وضرب رأسها بهراوة، ممثلة غادرت التحقيق بكدمات على وجهها.

وقال موغوي إن عناصر بالزي المدني أطلقوا الرصاص المطاطي عليه في 2 أكتوبر لأنه تدخل لحماية فتاة محتجة.

محاولات لإضعاف الاحتجاجات

في مواجهة أكبر تحد منذ سنوات، يحاول الزعماء الدينيون في إيران تصوير الاحتجاجات التي اندلعت عقب وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني على يد ما يسمى شرطة الأخلاق في طهران، على أنها انتفاضة انفصالية من جانب الأكراد تهدد وحدة الأمة وليس حكم رجال الدين، بحسب وكالة رويترز.

وقال مسؤول أمني متشدد لرويترز: «جماعات المعارضة الكردية تستغل قضية أميني ذريعة لبلوغ هدفها المستمر منذ عقود بانفصال كردستان عن إيران، لكنها لن تنجح».

وردد مسؤول سابق التعليقات نفسها، وقال لرويترز إن كبار مسؤولي الأمن قلقون من أن «تستخدم جماعات المعارضة الكردية الدعم الذي يحصل عليه الأكراد من أنحاء إيران للضغط من أجل الاستقلال».

ووصفت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية الاحتجاجات بأنها «مؤامرة سياسية» أشعلتها جماعات كردية انفصالية، ولا سيما الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني.

وتقول منظمة العفو الدولية إن «العشرات إن لم يكن المئات» من السجناء السياسيين المنتمين إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني وغيره من الأحزاب السياسية المحظورة يقبعون في السجن بعد إدانتهم في محاكمات جائرة.

عقوبات أوروبية على 11 مسؤولاً و4 كيانات

وأمس تبنى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، عقوبات شملت مسؤولين من «شرطة الأخلاق» ضالعين في حملة القمع التي يشنها النظام على الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني.

وتشمل قائمة العقوبات، التي نشرت في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي، 11 مسؤولا إيرانيا بينهم وزير الإعلام، عيسى زاربور، وأربعة كيانات. وسيخضعون لحظر تأشيرات الاتحاد الأوروبي وتجميد الأصول.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إن من بين المستهدفين بالعقوبات «ما يُسمى بشرطة الأخلاق، وهي كلمة غير مناسبة حقا عندما ترى الجرائم التي تُرتكب هناك».

وكانت الولايات المتحدة قد فرضت أيضا عقوبات على «شرطة الأخلاق» وعلى عدد من القادة الأمنيين المسؤولين عن ممارسة «العنف بحق المتظاهرين».