في مقال نشرته صحيفة "لوموند"، حذّر الدبلوماسي الأمريكي السابق جيفري هوكينز، من تداعيات فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في 5 نوفمبر 2024، على الأمن الأوروبي والعلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة.

وأشار إلى أن ولاية ثانية لترامب قد تحدث تغييرات جذرية في المشهد الأمني الأوروبي، وتؤثر على العلاقات الاقتصادية بشكل سلبي.

وأكد هوكينز أن انتخاب ترامب مرة أخرى سيضع الاتحاد الأوروبي في موقف صعب في مساعيه لتعزيز الديمقراطية، وسيؤدي إلى تدهور التحالف الأمني عبر الأطلسي، خاصة من خلال إضعاف التزامات الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو).

أمن دون ضمانات أمريكية

واستعرض هوكينز موقفًا دراميًا حدث في إحدى محاضراته حول السياسة الخارجية الأمريكية التي يدرّسها في معهد الدراسات السياسية في باريس (ساينس بو)، عندما سأل طالبة ليتوانية عن توقعاتها إذا انسحب ترامب من الناتو، فردّت الطالبة بقولها: "سيغزو الروس بلادي".

وبينما لا يتوقع هوكينز غزوًا روسيًا فوريًا للاتحاد الأوروبي، إلا أنه يشير إلى أن إعادة انتخاب ترامب قد تترتب عليها عواقب خطيرة على الأمن الأوروبي.

وأوضح هوكينز أن ترامب كان دائمًا ناقدًا صريحًا للناتو، حيث يعتبره عبئًا على الولايات المتحدة أكثر من كونه حليفًا إستراتيجيًا.

ويرى هوكينز أن ولاية ثانية لترامب قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في التزامات القوات الأمريكية تجاه الناتو، ما قد يفضي إلى سيناريو "ناتو خامد"، حيث ستظل المظلة النووية الأمريكية وبعض القوات الجوية والبحرية في أوروبا، بينما ستنسحب القوات البرية الأمريكية إلى حد كبير، مما يترك أوروبا وحدها في مواجهة التهديدات العسكرية.

وحذر هوكينز أيضًا من أن ترامب سيقوض التنسيق السياسي داخل الناتو، وهو ما يعد ضروريًا لقوة الحلف، حيث يروج مستشارو ترامب لفكرة "ناتو بسرعتين"، التي بموجبها ستضمن الحماية فقط للدول التي تفي بالتزاماتها المالية تجاه الحلف.

التداعيات الاقتصادية على أوروبا

من الناحية الاقتصادية، يرى هوكينز أن إعادة انتخاب ترامب ستؤدي إلى توتر في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وأشار إلى أن توجهات ترامب الحمائية قد تلحق أضرارًا بالغة بالاقتصادات الأوروبية. فالولايات المتحدة تعد الشريك التجاري الأكبر للاتحاد الأوروبي، ويعتمد على هذا التبادل التجاري نحو 9.4 مليون وظيفة في أوروبا، وفقًا لمفوضية الاتحاد الأوروبي.

وأوضح هوكينز أن ترامب كان دائم الانتقاد للتجارة الحرة، وأنه يواصل في حملته الانتخابية الترويج لفرض الرسوم الجمركية، فقد دعا إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على جميع الواردات، ما سيجعل المنتجات الأوروبية أغلى بكثير في الأسواق الأمريكية.

كما رجّح هوكينز أن ترامب سيضغط على الشركات الأمريكية لإعادة مصانعها من الخارج إلى الولايات المتحدة، مما يشكل تهديدًا لآلاف الوظائف الأوروبية التي تعتمد على هذه الشركات.

تهديد للقيم الديمقراطية

كما أشار هوكينز إلى أن انتخاب ترامب لولاية ثانية سيعزل أوروبا في دفاعها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ورغم أن الولايات المتحدة واجهت تحديات في هذا المجال، إلا أنها كانت دائمًا شريكًا رئيسيًا لأوروبا في دعم هذه القيم عالميًا، إلا أن ترامب، وفقًا لهوكينز، أظهر ازدراءً للقيم الديمقراطية حتى في الداخل الأمريكي، حيث يواصل رفض نتائج انتخابات 2020 ويواجه قضايا جنائية متعددة.

ويرى هوكينز أن السياسة الخارجية لترامب ستميل بعيدًا عن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وستتبنى بدلاً من ذلك نهجًا قائمًا على المعاملات البراغماتية، وبدلاً من بناء تحالفات مع الدول الديمقراطية، قد يشكل ترامب تحالفات مع القادة الاستبداديين والشخصيات اليمينية المتطرفة.

هذا التوجه، كما يشير هوكينز، سيضعف تأثير أوروبا المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان على الساحة الدولية.

وأشار هوكينز إلى أن انتخاب ترامب لولاية ثانية سيشكل تحديات خطيرة لأوروبا على مستويات عدة، بما في ذلك أمنها، اقتصادها، ومكانتها الدبلوماسية. وسيتعين على القارة الأوروبية إعادة تقييم مدى اعتمادها على الولايات المتحدة في مجالات الدفاع والقيم المشتركة، ما يفرض عليها النظر في بدائل جديدة لضمان أمنها ودورها العالمي.