باريس - لوركا خيزران

في وقت تواجه رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" اليمينة المتطرفة في فرنسا مارين لوبان تهمة "نشر صور عنيفة تشكل دعاية لتنظيم الدولة "داعش"" أمام النيابة العامة الفرنسية، ما زال شبح عودة الجهاديين الفرنسيين المنضمين لتنظيم الدولة الإرهابي يخيم على فرنسا التي عاد إليها فعلا 66 امرأة و178 رجلاً منذ عام 2015 وحتى 7 نوفمبر 2017، بعد إقامتهم لفترات متفاوتة في مناطق سيطرة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وفقا لبيانات الاستخبارات الفرنسية من بينهم 174 شخصا يتابعون قضائيا، إذ إن بعضهم تم توجيه اتهام لهم وينتظر المحاكمة، بينما أدين البعض الآخر بتهمة المشاركة في أعمال منظمة إرهابية.

وتكشف إحصاءات موثقة حصلت عليها "الوطن" عن احتجاز 141 من العائدين والعائدات من مناطق التنظيم الإرهابي، وفق نظام الحبس الاحتياطي، أو لقضاء عقوبتهم بعد إدانتهم، بينما يتابع 33 شخصا قضائيا في وسط مفتوح، "مراقبة قضائية، أو تعديل للحكم"، والذي قد تتراجع عنه السلطة القضائية في حال حدث إخلال، أو صدرت مذكرة توقيف بحقهم، بالإضافة إلى 6 أفراد كانوا قاصرين زمن الانضمام إلى داعش، يعرضون على محاكم جنائية للقاصرين.



وتشير بيانات الاستخبارات الفرنسية إلى أن 500 جهادي متطرف، ونحو 1500 شخص كانوا في الطريق إلى التطرف يقبعون في السجون الفرنسية.

وتعود ظاهرة الالتحاق بأراضي الجهاد إلى زمن الجهاد الأفغاني ضد الغزو السوفييتي، ثم الحرب في العراق ضد الاحتلال الأمريكي، ولكن الظاهرة زادت في عام 2014، و2015، إذ قاتل 600 فرنسي في صفوف "داعش" من بين 30 ألف مقاتل أجنبي يحاربون تحت راية التنظيم.

وبرز حضور النساء الفرنسيات بشكل ملفت في التنظيم، خلافا للتنظيمات الجهادية الأخرى، ففي 2013 شكلن 10 % من مسلمي فرنسا لدى التنظيم، ثم ارتفع الرقم إلى 35 % نهاية عام 2015، بحسب الباحث والمحلل النفسي الفرنسي فتحي بن سلامة، الذي ألف عدة كتب عن ظاهرة الانضمام إلى "داعش"، وكان آخرها، "جهادية النساء، لماذا اخترن داعش".

وتطبق النيابة العامة في باريس ذات السياسة الجنائية على الفرنسيات الملتحقات بالتنظيم مثل الرجال، إلا إذا ثبتَ أن إكراهاً مورس عليهن، وبالتالي فإن من سافرن إلى سوريا والعراق للالتحاق بالتنظيم، يقدمن للقضاء بشكل منظم وفقا لتقرير مجلس الشيوخ الفرنسي "نزع التأطير العقائدي وفك التعبئة وإعادة إدماج جهاديي فرنسا وأوروبا" الصادر في 12 يوليو 2017.

باريس لن تترك جهادييها

في سياق النقاش الذي يدور في فرنسا حول مصير المواطنين الفرنسيين الذين التحقوا بالمنظمات الجهادية في سوريا والعراق، صرحت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبي أن باريس "ستتدخل" إذا صدرت أحكام بالإعدام بحق فرنسيين جهاديين. وكان الحكم الذي أصدره القضاء العراقي، للمرة الأولى، بالإعدام شنقا على جهادية ألمانية من أصل مغربي، قد أثار المخاوف من عدم توافر محاكمات عادلة للجهاديين الفرنسيين.

يبقى مصير الجهاديين الفرنسيين المعتقلين في سوريا والعراق الذين ينتظرون محاكماتهم أمام سلطات هذين البلدين مجهولا، خاصة بعد الحكم الذي أصدرته محكمة عراقية في 22 يناير على جهادية ألمانية بالإعدام. وأثير جدل في فرنسا في سياق نقاش بشأن مصير المواطنين الفرنسيين الذين انضموا إلى تنظيمات جهادية في العراق وسوريا وتم اعتقالهم من سلطات هذين البلدين.

وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبي صرحت مؤخرا أن باريس "ستتدخل" إذا صدرت أحكام إعدام بحق فرنسيين جهاديين يحاكمون في العراق وسوريا. وأوضحت الوزيرة أثناء برنامج سياسي فرنسي "بالطبع إذا تعلق الأمر بعقوبة الإعدام فإن الدولة الفرنسية ستتدخل.

وردا على سؤال عما يمكن القيام به في هذه الحالة، اكتفت الوزيرة بالقول إنه يمكن خصوصا "التفاوض مع الدولة المعنية (...) على أن يتم وفق كل حالة على حدة". وكانت الحكومة الفرنسية تقول حتى الآن إنها تؤيد محاكمة هؤلاء الفرنسيين في البلدان التي يعتقلون فيها شرط توافر محاكمة عادلة. وكررت الوزيرة الأحد "بوصفي وزيرة للعدل أنا بالطبع متمسكة إلى أقصى حد بمحاكمة عادلة".

لكن كثيرا من الأصوات نددت بهذه المقاربة، مشيرة إلى أنها قد تؤدي إلى الحكم على مواطنين فرنسيين بالإعدام خصوصا في العراق الذي ينفذ هذه العقوبة. كما طلب محامو جهاديتين فرنسيتين معتقلتين في العراق من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "تعبئة كاملة "للدفاع عنهما"" في حال حكم عليهما بالإعدام. وبحسب مصدر قريب من الملف تضم معسكرات أو سجون في العراق وسوريا بضع عشرات من الفرنسيين مع عشرات القصر.

ويبلغ عدد الجهاديين الفرنسيين الموجودين في سوريا والعراق حوالي 500 شخص. ومع اندحار قوات تنظيم الدولة "داعش"، وفقدانها السيطرة على المساحات الشاسعة التي كانت تحتلها في هذين البلدين فإن عودتهم إلى فرنسا "بوسائلهم الخاصة أمر بالغ الصعوبة" كما صرح بذلك وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان في ديسمبر الماضي، وإن كانت فلورنس بارلي وزيرة الجيوش الفرنسية ترى "أنه من الأفضل.. إذا قضوا في المعارك"، إلا أن احتمال وقوعهم في الأسر أو الاعتقال وتعرضهم للمحاكمة هو الأرجح.

ورفع مجموعة من المحامين دعوة قضائية ضد الحكومة الفرنسية يطالبن فيها بإعادة جهاديات فرنسيات معتقلات في مناطق خاضعة لسيطرة القوات الكردية في الشمال السوري.

وكانت وحدات حماية الشعب الكردية اعتقلت قبل شهرين 40 جهادياً فرنسياً، بينهم نساء ومجموعة من 20 طفلاً في مناطق تخضع لسيطرتها بين سوريا والعراق، وطالبت إحدى المعتقلات وتبلغ من العمر 22 عاماً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادتها وطفليها "الأول يبلغ سنتين والثاني شهرين من العمر" إلى فرنسا.

يصر من جهتهم محامو الجهاديات الفرنسيات المعتقلات بأن غياب القضاء في مناطق الحكم الكردي يحرم هؤلاء النساء والأطفال من الخضوع لقوانين عادلة بحقهم، وأن الحكومة الفرنسية بتصرفها هذا تعرضهم لمخاطر متعددة بإبقائهم في مناطق الصراع.

"هؤلاء النسوة خاضعات للأحكام والقوانين الفرنسية" ويجب عليهن "مواجهة عواقب التهم الجنائية الموجهة لهن في الأراضي الفرنسية" كما ورد في تصريح كل من المحامين ماري دوزيه وويليام بوردون ومارتن براديل ومارك بايلي وهم الذين يمثلون أولئك النسوة قضائياً.

لكن من جهتها تصر الحكومة الفرنسية على إبقاء النساء الجهاديات معتقلات لدى القوات الكردية لتتم محاكمتهن في سوريا وفي محاكم تابعة للقوات الكردية أيضاً.

دعاية لوبان لـ "داعش"

وأعلنت نيابة نانتير "ضاحية باريس الغربية" مؤخرا أنها وجهت تهمة "نشر صور عنيفة" إلى رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسية مارين لوبان، في قضية تعود إلى ديسمبر 2015، عندما نشرت زعيمة اليمين المتطرف على موقع تويتر ثلاث صور من إعدامات نفذها تنظيم الدولة "داعش"، بينها قطع رأس صحافي أمريكي وحرق طيار أردني حيا.

ووجهت نيابة نانتير، في ضاحية باريس الغربية، تهمة "نشر صور عنيفة" إلى زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا ورئيسة حزب "الجبهة الوطنية" مارين لوبان، لنشرها ثلاث صور في 16 ديسمبر 2015 على موقع "تويتر" تظهر فظاعات "داعش" في العراق وسوريا، كما أعلنت النيابة.

ومن بين هذه الصور، والتي أثارت يومها جدلا كبيرا واستنكارا واسعا فرنسيا ودوليا، قطع رأس الصحافي الأمريكي جيمس فولي "40 عاما" في أغطس 2014 وحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة وهو حي في مطلع 2015 بعد أن تم احتجازه في ديسمبر 2014.

وتواجه مارين لوبان، منافسة الرئيس إيمانويل ماكرون في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مايو 2017، جراء هذه التهمة عقوبة السجن ثلاث سنوات وغرامة مالية بـ75 ألف يورو. وفور كشف نيابة نانتير عن توجيه التهمة إليها، قالت لوبان في تعليق نقلته عنها وكالة الأنباء الفرنسية: "وجهت إلي التهمة بمجرد أني نددت بفظائع داعش "أي تنظيم "الدولة""، لو كنت في بلد آخر لحظيت بتكريم"، مشيرة إلى تعرضها إلى ما أسمته "اضطهادا سياسيا".

وقد فتحت نيابة نانتير تحقيقا أوليا بحق لوبان في 16 ديسمبر 2015 إثر إبلاغ وزير الداخلية آنذاك برنار كازنوف إدارة الشرطة العدلية بنشر الصور، والتي وصفها "كازنوف" أمام النواب بأنها صور "دعاية "داعش" وهي لذلك دنيئة وحقيرة وإهانة حقيقية لجميع ضحايا الإرهاب".

وشمل التحقيق أيضا النائب في "الجبهة الوطنية" جيلبير كولار والذي نشر في تغريدة صورة لرجل ضحية تنظيم "الدولة".

وقد نشرت زعيمة اليمين المتطرف هذه الصور على موقع تويتر كرد على تصريحات للصحافي في مجموعة "إر إم سي – بي إف إم" جان جاك بوردان، قالت إنه شبه حزبها بالتنظيم الإرهابي.

وكان والدا جيمس فولي قد طالبا بسحب جثة ابنهما سريعا عن الموقع الاجتماعي، وقالا في بيان: "نحن مصدومون جدا لاستعمال جيم لأغراض سياسية من قبل لوبان ونأمل أن تسحب صورة ابننا فورا".