أثارت تبرئة دونالد ترمب في مجلس الشيوخ الأميركي بمحاكمة ثانية غير مسبوقة، أسئلة عدة حول ما ينتظر الرئيس السابق البالغ 74 عاماً والحزب الجمهوري والرئيس الحالي جو بايدن، على السواء.

فرغم أن تبرئة مجلس الشيوخ لترمب كان أمرا شبه مؤكد، إلا أن الرئيس السابق لا شك تنفس الصعداء لدى سماعه القرار، لا بل ربما أخذ دفعا من أجل تعبئة أنصاره مستقبلا، بحسب ما يرى بعض المحللين.

ففي بيان بعد التبرئة، ندد ترمب بما وصفها بالحملة الشعواء ضده وتطرق إلى المستقبل، قائلاً "بدأت للتو حركتنا التاريخية والوطنية والرائعة لجعل أميركا عظيمة مجددا".

كما أضاف "الكثير من العمل ينتظرنا وسنخرج قريبا برؤية لمستقبل أميركي مشرق ومتألق ولا حدود له".

وأعاد هذا البيان التذكير بتصريحات سابقة للرئيس الجموري، لمّح فيها الترشّح مجددا للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، بعد أن طويت نهائيا صفحة إدانته التي كانت ستمنعه لو تمت من تولي منصب فدرالي مجددا.

صرخة تعبئة

وفي السياق، قالت كابري كافارو من الجامعة الأميركية في واشنطن والتي كانت عضوا في مجلس شيوخ أوهايو عن الديموقراطيين، إن تبرئة ترمب قد تكون بمثابة "صرخة تعبئة" بالنسبة له ولأنصاره.

لكنها أشارت في الوقت عينه إلى عقبات قد يواجهها، معتبرة أن "إرث الرئيس السابق قد يقتصر بالنسبة لعديدين في هذه المرحلة على أحداث السادس من كانون الثاني/يناير، بغض النظر عن التبرئة". وتابعت "سيكون هناك أميركيون ممن يعتقدون أن ترمب لعب دورا ما"، وهو أمر قد ينعكس أيضا على أنشطته في القطاع الخاص.

كما أضافت "يبدو الأمر وكأن لا خيار لديه سوى مواصلة محاولاته للخوض في السياسة".

بدورها رأت استاذة العلوم السياسية في جامعة "براون" ويندي شيلر أن مستقبل ترمب قد يكون محدودا. وقالت "إذا كانت الشركات ستمنحه فرصة للظهور والتحدث، فسيكون رد الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي سريعا وشديدا، مع احتمال مقاطعة منتجاتها".

إلى ذلك، أردفت "حتى إقامة مؤتمرات صحافية أو مناسبات في العقارات المملوكة لترمب سيمثّل مشكلة بالنسبة للشركات الكبرى المطروحة للتداول العام أو الشركات التي توفر منتجات مباشرة للمستهلكين".

نفوذه داخل الحزب الجمهوري

على الرغم من كل ذلك، يعد تصويت الأغلبية الساحقة من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لصالح تبرئة ترمب، مؤشرا على نفوذه الذي لا يزال يحافظ عليه ضمن حزبه.

وقالت ممثلة ولاية جورجيا في المجلس مارجوري تايلور غرين، التي تعد بين أشد المؤيدين له، الأسبوع الماضي إن "الحزب له لا لأحد آخر".

لكن سبعة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ صوتوا لصالح إدانته، بينما صوّت عشرة جمهوريين من أعضاء مجلس النواب لصالح عزله الشهر الماضي، بينهم النائبة ليز تشيني، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني.

بينما صوّت زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل لصالح تبرئته، إلا أنه أشار أيضا إلى أن ترمب مسؤول "عمليا وأخلاقيا" عن أعمال العنف التي شهدها السادس من كانون الثاني/يناير.

فيما نأى عدد من الجمهوريين بأنفسهم عن الرئيس السابق بينما يستعدون لاختبار فرصهم في الوصول إلى البيت الأبيض في 2024.

تصريح مفاجئ لنيكي هايلي

ومن بين هؤلاء حاكمة كارولاينا الجنوبية نيكي هايلي، التي قالت إن الجمهوريين أخطؤوا في دعمهم حملة ترمب الرامية لقلب نتائج الانتخابات، والتي قادت إلى الهجوم على مقر الكونغرس. وقالت هايلي في مقابلة مع مجلة "بوليتيكو"، "سلك مسارا ما كان عليه أن يسلكه وما كان علينا أن نتبعه فيه".

كما قللت من أهمية التوقعات التي تشير إلى أن ترمب سيترشح للرئاسة في 202، قائلة "لا أعتقد أن بإمكانه ذلك. لقد سقط سقطة كبيرة".

لكن الجمهوريين الداعين للانفصال تماما عن ترمب لا يزالون أقلية، بحسب وكالة فرانس برس، بينما يخشى كثيرون منهم من النفوذ الذي يتمتع به في أوساط قاعدته الشعبية.

مقامرة "خطيرة

وقالت ويندي شيلر إن "أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين صوّتوا لصالح تبرئته قد يكونون يحمون أنفسهم من التحديات الأولية من قبل الجناح الأكثر تشددا في حزبهم في 2022 أو حتى 2024. لكنهم قد يجعلون أنفسهم بالتوازي أكثر عرضة للهزيمة في الانتخابات العامة".

بدورها أشارت كافارو أيضا إلى أن النواب الجمهوريين الذين لا يزالون مخلصين لترمب يخوضون مقامرة "خطيرة للغاية". وقالت "يتّخذون قرارا مبنيا على فترة زمنية قد لا تعود موجودة بالنسبة إليهم خلال عامين".

إلى ذلك، طرحت مجموعة من المسؤولين الجمهوريين السابقين المناهضين لترمب فكرة تأسيس حزب ثالث يميني وسطي، لكن يستبعد تبلور الخطوة.

بايدن والنأي بالنفس

أما بالنسبة لبادين، فبعد أن خيمت تلك المحاكمة على بداية عهده الرئاسي، أضحى الديموقراطيون اكثر ارتياحا اليوم لكونها لم تستغرق سوى خمسة أيام.

وسيكون الآن بإمكان مجلس الشيوخ التحرّك سريعا لتثبيت الشخصيات التي عينها بايدن في حكومته والعمل على أجندته التشريعية في وقت تواجه البلاد الأزمة الناجمة عن كوفيد-19 وتداعياتها الاقتصادية الشديدة.

وتعليقا على موقف الرئيس الديمقراطي، اعتبرت شيلر أن " بايدن قام بعمل جيد للغاية عبر النأي بنفسه بعيدا عن إجراءات محاكمة العزل وحصر رسالته بأزمة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية التي رافقتها".

لكن ترمب لا يزال يتمتع بقوة يحسب لها الحساب، وقد تؤدي أي تحركات غير محسوبة إلى عودة محبيه إلى الشارع، بحسب ما يرى عدد من المحللين.

عندها يتعيّن مراقبة الكيفية التي سيتعامل من خلالها بايدن مع الأمر، بحسب ما رأت كابري كافارو