تصوير موضوع المواطنين البحرينيين العالقين في إيران على أنه الوحيد في العالم الذي لم يحل بعد مبالغة وتسييس في غير محله، فهناك عالقون من العديد من الدول في العديد من الدول الأخرى لا يزالون يعانون من مشكلة عدم التمكن من عودتهم إلى بلدانهم ولا تزال بلدانهم غير متمكنة من إعادتهم لأسباب مختلفة. وتصوير الموضوع على أن هؤلاء هم الوحيدون العالقون في دولة أخرى يصب في الاتجاه نفسه، فهناك مواطنون بحرينيون عالقون في دول أخرى كانوا قد زاروها من أجل العلاج أو غير ذلك ولا يستطيعون العودة بسبب إغلاق تلك الدول لمطاراتها.

استغلال هذا الظرف سياسياً أمر غير مقبول على الإطلاق، ويكفي للرد على مسيسيه القول بأنه من غير المنطقي أن تعمد الحكومة إلى إعادة بعض العالقين وتترك الباقين، فلا فرق بين أولئك وهؤلاء. الحكومة رتبت لعودة عدد منهم ووفرت لهم كل الظروف التي ينبغي توفيرها للقادمين من البلاد الموبوءة ولا يمكن منطقياً وإنسانياً ووطنياً أن تترك الباقين، ولا تفسير لهذا سوى أن ظروفاً خارجة عن إرادتها تمنعها من استكمال العمل الذي لا بد أن يتم.

الظروف الطارئة التي تسبب فيها فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) أربكت العالم وفرضت أموراً لم تكن في الحسبان. فالمواطنون الذين كانوا يزورون إيران قبل الفيروس كانوا يعودون بشكل طبيعي ولا يتم سؤالهم عن أسباب زيارتهم لها ولا ينظر حتى في موضوع عدم قيام السلطات الإيرانية ختم جوازاتهم في الدخول والخروج، وهذا الأمر استمر إلى ما قبل حصول الأزمة بيوم واحد بل ربما بساعات قليلة. حصلت الظروف الطارئة فكان من الطبيعي أن يعلق المتواجدون هناك ويعلق كل من كان خارج بلاده ويعلق بحرينيون آخرون في بلدان أخرى عديدة، وكان من الطبيعي أيضاً أن تبحث الحكومة في الطرق المناسبة لإعادتهم، وقد باشرت بالفعل في ترتيب عودة عدد منهم. أما ما حصل بعد ذلك فهو أن أموراً استجدت وظروفاً حكمت صعبت من موضوع نقلهم إلى البحرين، ولأن الحكومة لم تقل إنها لن تعمل على إعادة الباقين لذا فإن كل ما يقال حالياً عن هذا الأمر يدخل في باب استغلال الظرف وتوظيفه سياسياً، بل إن الأمر وصل حد أن يصرح مسؤول إيراني بأن إيران على استعداد لنقل البقية إلى البحرين مباشرة! وهو تصريح سياسي بحت، حيث الأولى منه هو مساعدة العالقين بتوفير الظروف المعيشية المناسبة لهم حيث يتواجدون واعتبارهم ضيوفاً بدل طردهم من الفنادق بحجج مختلفة.

لأن الظروف تحكم لذا من الطبيعي أن يحصل تأخير في عودة العالقين في إيران وفي غيرها من البلدان، ولأن البعض يستغل مثل هذه الظروف ليستفيد منها بشكل أو بآخر لذا من الطبيعي أن تتصعب الأمور ويحدث مثل ذلك. لو أن الظروف لم تكن كهذه الظروف لما حصل كل الذي يحصل حالياً، ولا يمكن لعاقل أن يقبل ما يسعى البعض لترويجه عن الحكومة وأنها مقصرة أو غير مبالية أو تعمد إلى الاستفادة من الظروف الطارئة.

الأمور في الظروف غير العادية لا يمكن أن تكون في يد حكومة بعينها، فنقل العالقين من مواطني أي بلاد إلى وطنهم مسألة مرتبطة بظروف العديد من الدول ومرتهنة بأحكامها، وهذا يعني أنه لا يمكن لحكومة البلاد التي تريد نقل مواطنيها وإنهاء مشكلتهم أن تتصرف وحدها، وإلا كان سهلاً إعادة كل الدول العالقين من مواطنيها ومن دون تأخير.

في الظروف غير العادية تحصل أمور غير معتاد عليها، هذه الأمور تزداد تعقيداً في ظروف انتشار وباء خطير كهذا الوباء.