عودة الحديث التركي عن منطقة آمنة في سوريا، وعلى حدود البلدين المشتركة في الشمال، ترافق في الأصل، مع حدثين بارزين، أشارت اليهما جهات إعلامية في روسيا من جهة، وتركية من جهة أخرى.

الحدث الأول في فوز حزب أردوغان في الانتخابات، وهو الحدث الذي لم تحتفل به الصحافة الروسية على أي حال. بل استندت إلى نتائجه لترسم حدوداً أكبر لـ"النزاع التركي-الروسي" حول عدة قضايا، منها سوريا. بل إن وسائل إعلام روسية كبرى استندت إلى فوز حزب أردوغان بالانتخابات لتصل إلى نتيجة بأنها "لا تبعث على الأمل بتطوير التعاون الروسي التركي بصورة إيجابية".

أما الحدث الثاني، فهو قيام سلاح الجو الروسي بقصف القرى التركمانية المحاذية لحدود تركيا مع سوريا. وقصف منطقة جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، وتحديداً منطقة "باير بوجاك". مما دفع بأنقرة لاستدعاء السفير الروسي لإبلاغه رسالة احتجاج على القصف. كما قامت العاصمة التركية بإبلاغ الأمم المتحدة بالقصف وآثاره سواء على المدنيين أو عمليات اللجوء التي سيفضي إليها القصف الروسي في الساعات الأخيرة.
من قبرص إلى أوكرانيا إلى سوريا.. حدود الخلاف الروسي التركي

وبرأي المحللين الروس، ومنهم الأستاذ الجامعي المتخصص بالفلسفة فيكتور نادين، والذي أجمل نقاط الخلاف الروسي التركي في تقرير نشرته وكالة "روسيا ما وراء العناوين" فإن الخلاف ما بين البلدين هو على كل القضايا الهامة، بدون أن يستثني منها أي موضوع دولي. فبرأيه، تركيا وقفت "إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع أحداث أوكرانيا". ويضيف نادين أن الموقف ذاته اتخذته تركيا ضد روسيا "عندما سقطت طائرة البوينغ الماليزية". وأيضاً يضيف موقف الأتراك ضد روسيا "في موضوع القرم" وموقف روسيا المضاد للأتراك في "المسألة القبرصية" والموضوع اليوناني.. والجرف القاري.

وينهي بأشهر خلاف روسي تركي هو حول سوريا. فيقول: "يتباين موقفا روسيا وتركيا تبايناً كاملاً من النزاع الداخلي في سوريا".
"باير بوجاك".. بوصلة التحرك التركي

هذا يعني، أن روسيا وتركيا، مختلفان على كل شيء، على رأي المحلل الروسي، ولا يوجد ما يحرّك الطبيعة التفاوضية ما بين البلدين، سوى أحداث على الأرض السورية. وتحديداً في دخول السلاح الروسي في الأيام القليلة الماضية لضرب مناطق تسيطر عليها قوات من المعارضة السورية، خصوصاً بعد إعلان المعارضة عن استعادة سيطرتها على "دلحة وحرجلة" من يد "داعش" بقوات "تركمانية قادت الهجوم بدعم جوي من 10 مقاتلات تركية وثلاث طائرات أميركية من دون طيار" كما نقلت صحيفة الحياة اللندنية.

وكان سبق القصف الروسي الأخير، لمناطق حدودية مابين سوريا وتركيا، إعلان الأميركيين والأتراك عن سعيهما "استعادة مناطق في شمال سوريا تمتد نحو 100 كيلومتر بين جرابلس ومارع لإغلاق الحدود مع تركيا وطرد "داعش" منها".

إلا أن القصف الروسي، وتحديداً على جبل التركمان و"باير بوجاك" شمال ريف اللاذقية، أثار قلق المسؤولين الأتراك من موجة نزوح كبيرة سيتم على إثرها تهجير قرى تركمانية كاملة من شمال اللاذقية، وتحديداً منطقة "باير بوجاق" إلى الأراضي التركية. وهو الأمر الذي أعلنه محافظ ولاية "هاتاي" بأن "1500 من تركمان سوريا نزحوا نحو الحدود التركية" تبعاً لوكالة "الأناضول" التي رأت في خبر هام متصل بالمنطقة الآمنة، أن القصف الروسي لمناطق التركمان و"باير بوجاك" هو بقصد "عرقلة إقامة المنطقة الآمنة" التي دعت إليها تركيا.

وكان رئيس "اتحاد الأطباء التركمان السوريين" مختار فاتح محمد قد لفت في تصريح له، إلى أن منطقة "باير بوجاق" لو سقطت بيد نظام الأسد (والتي سيطر عليها الثوار عام 2012) فإن "من 10 إلى 15 ألفاً من التركمان سيضطرون في المرحلة الأولى للنزوح إلى تركيا ولاسيما من المناطق القريبة من الحدود".

واليوم أعلنت وسائل إعلام تركية أن رئيس الوزراء التركي داود أوغلو قد "تزوّد بمعلومات عن الهجمات التي شنتها قوات الأسد بدعم من الطائرات الروسية على منطقة باير بوجاك" من قائد الأركان التركي ورئيس منظمة الاستخبارات. وأنه تم بعث رسالة إلى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي بهذا الصدد". كما نقلت وسائل الإعلام خبر اتصال أجراه وزير الخارجية التركي بنظيره الأميركي حول المسألة عينها.

بدوره صرّح عارف أماتش، نائب الرئيس العام لحزب الحركة الوطنية التركمانية السورية، أن تركمانيي "منطقة باير بوجاك في حالة بائسة جداً.. والمناطق السكنية تدمرت بالكامل" بسبب "القصف الروسي والسوري للمنطقة".
إقامة المنطقة الآمنة.. بعد أسبوع

وتتخذ منطقة "باير بوجاق" أو بوجاك، أهمية قصوى لما يتعلق بتحريك أو تسخين ملف المنطقة الآمنة التي دعت إليها تركيا لحماية اللاجئين السوريين وتقديم العون لهم في بيئة تخلو من أي أعمال قتالية، وكذلك لعزل أي تداخل لتداعش، سواء من أو إلى الأراضي السورية والتركية. فقد قامت أحزاب قومية بالضغط على الحكومة التركية للتدخل وعدم ترك "باير بوجاك" ومناطق جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي، عرضة لقصف الأسد والطيران الروسي.

وقد نظم مجموعة من القوميين الأتراك تظاهرة احتجاج أمام السفارة الروسية في أنقرة، احتجاجا على "الغارات الجوية التي شنتها روسيا على التركمان في جبل التركمان" واستخدموا تعبير "روسيا القاتلة" في شعاراتهم التي رفعوها.

من هنا، بربط المراقبون، اليوم، ما بين أحداث "باير بوجاك" وما نقلته اليوم الأحد، صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، ومقرها لندن، والتي نقلت عن مصادر تركية قولها إن المنطقة الآمنة التي دعت تركيا إلى إقامتها في الشمال السوري "ستقام خلال أسبوع".

إذ تبدو "حرارة" الأحداث التي باتت "باير بوجاك" مركزاً رئيسياً لها، وتتمحور حولها الأخبار التركية والعالمية، هي المؤشر الذي على أساسه سيظهر إمكانية إقامة المنطقة الآمنة التي تحدثت عنها تركيا، بل ربطت ما بين القصف الروسي - السوري على "باير بوجاك" بفكرة المنطقة الآمنة، عندما قالت إن "القصف الروسي والسوري" على تلك المناطق، القصد منه "عرقلة المنطقة الآمنة التي دعت إليها تركيا".

فهل ستكون "باير بوجاك" هي الدافع الذي سيحث القادة الأتراك على المضي قدماً بإقامة تلك المنطقة الآمنة التي ستؤمن ملاذاً آمناً لمئات الآلاف من السوريين المهجّرين اللاجئين، خصوصاً مع قدوم فصل الشتاء شديد البرودة الذي تُعرف به مناطق الحدود مابين سوريا وتركيا؟!