كتب – جعفر الديري:
هناك جملة من الأبحاث تشمل جميع المجتمعات دون استثناء. كما إن هناك أبحاثاً تخص مجتمعاً دون آخر. ويعد موضوع الإشاعة من الأبحاث التي لا تعتق مجتمعا من شرها. خصوصاً المجتمعات التي تعاني قلة الوعي ومحدودية الثقافة.
تتعدد نتائج الإشاعة كما تتعدد وسائلها، وإذا كان المجتمع يحصد آثارها على مستوى حياة الناس وعلاقتهم العامة في العمل والسوق وفي كافة الأماكن، فإن النتائج الكارثية للإشاعة على الأسرة، تتخذ لها أبعادا أخرى؛ لأنها تمزق شمل الأسرة التي هي دعامة المجتمع الرئيسة، فالزوجين متى فقدا الإحساس بالرضا عجزا عن تنمية مجتمعهما، والأطفال متى افتقدوا للطمأنينة تحولوا إلى متأثرين لا مؤثرين. السطور الآتية تتناول موضوع الإشاعة وعلاقته بالأسرة البحرينية، وتستشهد بقصص واقعية عملت فيها الإشاعة عملها في نسيج أسر شتى، انهارت بسبب عصبية الزوجين وتسرعهما، من خلال التعرف على مجموعة آراء أبداها أرباب الأسر. فإلى التحقيق الآتي...
المرأة مصدر
يؤكد فاضل علي أن الإشاعة صناعة نسائية، وأنه إن كان هناك إنسان مسؤول عنها فهو المرأة؛ الفتاة والشابة والزوجة والأم والعجوز. فالمرأة في نظره هي التي تشعل البيت جحيما ولا تترك شيئاً على حاله، عندما تسعى جاهدة لنشر الإشاعة أو عندما تسمع لمن يتحدث بها دون رد فعل إيجابي. علي لا يخفي تعصبه ضد المرأة بهذا الخصوص، مؤمناً أن كيد المرأة يفوق كيد الرجل، وأنه لا طاقة له باختراع الإشاعة ولا بنشرها، على عكس المرأة التي تجد فيها سعادتها. ويردف علي: لقد شهدت بأم عيني قضايا كثيرة انتهت بشقاء الزوحين بسبب الإشاعة، وكان مصدرها المرأة لا الرجل، المرأة التي تنطق الكلام ولا تتبين أثره، حتى إذا نطقته عن غفلة فهي مسؤولة، لأنه خرّب بيوتاً وهدم أسراً، ولا يمكن مسامحة المرأة بشأن ذلك، كيف وقد تسببت بتشتت أبناء ضعاف، وملأت حياة أسرية بالتعاسة بعد أن كانت عنوانا للأمل بالحياة. إن شغف المرأة بنقل الأخبار أمر يلاحظه الجميع، فالزوج عندما يجلس مع زوجته ويذكر اسم فلان أو فلانة من الناس، تلقي إليه الزوجة آذانا صاغية، وعندما يتحدث مع زميلة العمل عن فلان أو فلانة، تجدها تسعد بذلك، ففي كل الحالات تجد المرأة متعة في الحديث عن الناس. لكنه علي يعود ليبين أن ذلك يتعلق بالإشاعة في محيط الأسرة والعلاقات الإنسانية بين البيوت، أي الإشاعة التي ترتبط بخراب الأسر، أما عن الإشاعة بشكل عام، فلا يمكن نفي سعي بعض الرجال المرضى لنشر الإشاعة لأغراض دنيئة.
التسرع آفة
من جانبها، تقرأ زينب محسن قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) صدق الله العظيم، مشيرة إلى أن هذه الآية المباركة تؤكد أن الإشاعة من أشد الآفات الأخلاقية تأثيراً في المجتمع، فكيف إذا ارتبطت بالبيت والأسرة؟! وتشدد محسن على أن الواجب يحتم على كل منا اجتناب الإشاعة وتجنب تناقلها، مهما كثرت في مجتمعنا، وعدم التسرع حتى تبين صحة الكلام المتناقل، لكي لا نتسبب لأحد من الناس بالظلم أو البغضاء، وهي مشاعر طالما قادت إلى الفتن، ليس على مستوى المجتمع وحسب بل داخل البيت الواحد والعوائل والأسر الصغيرة. تقول محسن: ليس مبالغة أن نقول إن الإشاعة ساهمت في قطع أواصر المحبة بين أب وابنه أو بين أخ وأخيه، مبينة أن مشكلة كثير من الناس أنهم يندفعون لتصديق الإشاعة دون أعمال عقولهم، فيالها من مأساة أن تتحول الأخوة والصداقة إلى عداوة تأكل كل شيء جميل في قلوب الناس. حتى انك لتعجب من أناس يصدقون أناس لا يعرفونهم على حساب أناس يعيشون معهم.
الحذر واجب
أما محمد جمعة، فينظر للمرأة على أنها صمام الأمان للأسرة، مشيراً إلى سعي مشعلي الفتن من مرضى القلوب إلى هدم الأسرة عن طريقها، فهم إما يوعزون لها أن زوجها أخطأ بحقها لتمتلئ غما وهما؛ فتحفر لزوجها ولنفسها ولأبنائها حفرة تحرقهم جميعاً، وإما يملؤون رأس الزوج شكا لتبدأ المشاكل بينه وبين زوجته، وتنتهي الفصول بالطلاق. وينصح جمعة الزوجة بالحذر، فهي عماد البيت وسر سعادته، وإذا كان الزوج هو من يقود السفينة، فإن راحته بيد زوجته، فمتى وجدها سعيدة وكذلك أبنائه قاد السفينة بهدوء ويقظة، ومتى شعر أنها متغيرة وأن أبناءهما مضطربين اضطرب هو الآخر، وربما قاده اضطرابه للبحث عن زوجة أخرى يسكن إليها، مؤكداً على المرأة بالحذر من نساء سيئات، يعشن في الرذيلة والخزي والعار؛ لا يخشين الله، سعادتهن في رؤية بيت ينهدم على أهله، مضيفاً: متى ساورك الشك يا بنتي في تصرفات زوجك، فلا تتسرعي، بل اعتصمي بالصبر، وابحثي عن الحقيقة، ففي أغلب الأحيان تكتشفين أن الحقيقة خلاف ما حكته لك امرأة حقودة، وحتى لو اكتشفت أن ما روته لك حقيقة، عضّي على جراحك وتصرفي بما يرضي الله وبما يكفل عدم تأثر أبناءك، فلا ذنب لهم لكي تتركيهم يعيشون وسط مشاكلك أنت وزوجك، انك ستشعرين بعد أن تهدأ نفسك بالندم لأنك انسقت وراء نفسك ولم تعني بأبنائك العناية التي يستحقونها. ويواصل جمعة: احذري امرأة تتقرب إليك بالكلام المعسول، وهي شر الناس، واحذري امرأة تقابلك بضحكة وهي تنهش في لحمك من ورائك. أنا لا أدعوك لكي لا تثقي بالناس ولا أن تعامليهم معاملة الشك، بل الواجب على كل منا أن يقابل جميع الناس بالبشاشة والإحسان، لكن الرفقة والصداقة شيء آخر، فلا يجب أن نضع أسرار البيت ومشاعرنا في قلوب كل من نتعرف عليه، فهناك نساء لا يسعدن شيء بقدر أن نعاني كما عانوا.
شياطين الأنس
من ناحيته، يجد عباس حسن في الشائعة إحدى الشبهات التي يدخل بها الشيطان إلى قلوب الناس، ويعمل عن طريقها على نشر الفساد والبغضاء بينهم، ولا يسعده شيء أكثر من دخول البغضاء بين أهل البيت الواحد، حتى إذا تمكن من بث الفرقة بين الزوج وزوجه، حول هذا الإنسان إلى شيطان من الأنس، يحاسب الناس على أهوائهم، ولا يثق بأي أحد منهم، ليسعى مجدداً إلى هدم بيوت الناس، كما هدم بيته.
وسائل حديثة
من جهته، يؤكد ياسر أحمد خطر وسائل الاتصال الحديثة، لافتاً إلى استغلال البعض لها في إذكاء الفتنة بين الزوج وزوجه، فرغم أن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تكوين، إلا أن جبروت الإنسان وغطرسته التي لا حدود لها، طمست على بصيرته، فهو لا يستخدم عقله ولا يقبل أن يفهم سوى ما يريده. ويضيف أحمد: بعض الناس لا يكتفون ببث الإشاعة بين الزوج وزوجه والأخ وأخيه والصديق وصاحبه، بل انهم يستخدمون الإنترنت في بث الفرقة والبغضاء، ويبعثون إيميلات ورسائل للزوج والزوجة يفرقون بينهما..
سرقة زوج
«كان مشغول البال بشأن ما جرى له مع زوجته وأم عياله. لقد عرفها عنوانا للعقل والحكمة، لكنها في ذلك اليوم ظهرت بصورة مختلفة. فما أن دخل البيت فرحاً مستبشراً برؤية وبضم ولديه، حتى وجده خالياً، فلا حس لها ولا للولدين. خمّن أنها ذهبت لبيت أبيها. وكان تخمينه في محله، لكنه وجدها غضبى وفي حالة نفسية صعبة. لقد نقلت لها إحداهن أنها رأتها بصحبة امرأة جميلة في العمل، وأنه ينوي الزواج. هو يعلم أكثر من غيره ماذا يعني هذا الأمر بالنسبة للمرأة. لذلك التمس لها العذر، وحاول ما أمكنه أن يوضح لها الأمر، لكنها رفضت كلامه، وصدف أن كان أبوها حاضراً، وبدلاً من يهدّأ الأمور، أشعل النار بينهما أكثر بسبب عصبيته، ليعود هو إلى البيت مهموما أسفاً. كان يوماً صعباً عليه، أن لا يجد زوجته وولديه في البيت. لكنه عندما عاد في اليوم الثاني من عمله، استقبلته رائحة الطعام الذي يحبه، ووجد زوجته بانتظاره، وولديه يقبلان عليه. لقد كانت إشاعة أرادت منها امرأة سرقته منها، لكن زميلته طيبة القلب، وما أن علمت بالأمر حتى سارعت إلى لقائها وأرتها (دبلة) خاتم الخطوبة، فهي ليست دون زوج لكي تخشى على زوجها منها».
كنت أمزح
«كاد الأمر أن يصل بهما لحد الطلاق؛ رسالة تصله تخبره أن خطيبته عند شاطئ البحر بصحبة أحدهم، ورسالة أخرى تصلها تخبرها أن خطيبها عند شاطئ البحر بصحبة إحداهن. يذهبان دون تبصر ليفاجئ برؤية أحدهما الآخر. ليثور سؤال بينهما عن باعث الرسالة. يتبين أنه صديق لهما. يواجهانه، فيجيب ضاحكاً: أردت المزاح لا غير»!.