زهراء حبيب

طالب قانونيون ومحامون بإلغاء المادة 353 من قانون العقوبات البحريني والتي تعفي المغتصب من العقوبة حال تزوج بالفتاة المغتصبة وقدم عقد زواج صحيحاً يثبت ذلك، مؤكدين أن ذلك يفقد المرأة إنسانيتها.

وأشاروا في تصريح لـ»الوطن» إلى أن المادة تحمل في روحها إجازة ضمنية بحق اغتصاب المرأة ونجاة الفاعل حال الزواج منها.



وشددوا على أهمية إلغاء المادة أو تعديلها بتخفيف العقوبة دون إلغائها، ووضع شروط تصون المرأة، لافتين إلى أن قانون العقوبات نص على عقوبة الإعدام والمؤبد إذا أفضى الاغتصاب إلى وفاة المغتصبة.

وفي السياق نفسه، أوضح القانونيون أن المواد القانونية الخاصة بباب الاغتصاب والاعتداء على العرض تحتاج إلى إعادة النظر، وإجراء بعض التعديلات عليها وليس المادة 353 فقط، فتلك المواد تهضم حق الرجل في بعض الدعاوى خاصة بمواقعة أنثى برضاها ويكون فيها الشاب والفتاة بذات العمر، فالرجل يعاقب والأنثى تعفى.

ومن بين الدعاوى القضائية، جاءت دعوى تعود لشاب بحريني واقع فتاة قاصر برضاها ونتج عن حملها وامتنعت المحكمة عن معاقبته لزواجه بالفتاة، وطبقت نص المادة 353 من قانون العقوبات البحريني التي تنص على أنه لا يحكم بعقوبة ما على من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها الاغتصاب والاعتداء على العرض المؤثمة إذا عقد زواجاً صحيحاً بينه وبين المجني عليها فإذا كان قد صدر عليه حكم نهائي قبل عقد الزواج يوقف تنفيذه وتنتهي آثاره الجانبية.

والشاب كان متهماً بمواقعة فتاة أتمت 14 عاماً لم تتم 16 برضاها ونتج عن معاشرتها حملها، وجمعت بينهما علاقة غرامية وعند خروجها برفقة صديقتها في ممشى البديع، التقت بالمتهم الذي طلب منها ركوب السيارة معه، وتوجه إلى منطقة خالية وعاشرها معاشرة الأزواج، وأرجعها لذات المكان الذي أخذها منه.

وبدأت أعراض الحمل تظهر على الفتاة وكونها صغيرة لم تعي الأمر، فأخبرت والدتها بوجود الآلام ببطنها، فاصطحبتها للمستشفى واتضح بأنها حامل في الشهر الرابع، فاعترفت المجني عليها بعلاقتها بالمتهم وأحيلت الدعوى إلى المحكمة لكنه نفاذاً لقانون العقوبات المادة 353 تمتنع المحكمة عن معاقبة المتهم، بعد أن قدم محاميه يثبت ارتباط موكله بالمجني عليه بموجب حكم صادر من المحكمة الشرعية.

ضوابط وليس إلغاء

وفي الجانب القضائي، أكد القاضي إبراهيم الزايد بأنه ضد إلغاء المادة 353، قائلاً إن «تلك المادة هي بمثابة فرصة لإصلاح ذلك الجرم تتماشى مع السياسة العقابية التي ترمي للإصلاح وليس الانتقام، وقامت مصر بإلغاء تلك المادة ولكن لم يتغير في الأمر شيء حيث أن تلك المادة لا تحرم زواج المجني عليها من الجاني».

ولفت إلى أنه لم تم تلك المادة لن يغير شيء، ففي بعض الحالات سوف يتقدم المتهم ويتزوج المجني عليها ويقدم العقد للقاضي وسوف ينزل القاضي بالعقوبة ويوقف التنفيذ بناء على ظروف الدعوى، وعليه فإن المادة المذكورة، لا تغير في الأمر شيئاً ولا تنال من كرامة المرأة.

وأرجع وجهة النظر الرامية إلى وضع ضوابط لتلك المادة، بقوله إن «تجربة تونس جميلة جداً بعد إجرائها تعديلاً للمادة ووضع الضمانات اللازمة والاشتراطات المنطقية التي تكفل للمجني عليها حقها وهو في رأيي عين الصواب».

وأوضح أن الزواج يتم بالتراضي وليس بالإجبار، ويمكن لها أن تشترط مؤخراً يحميها، ولا تعني العقوبة الردع فقط بل المصالحة الجنائية هي هدف يمكن لهذه المادة أن تساهم فيه، وفي حال أجبرت الفتاة على الزواج لإرضاء أهلها، فهو يعد زواجاً باطلاً والمادة 353 تشترط زواجاً صحيحاً، مؤكداً بأن الوقائع ليست ظاهرة ونادراً ما يتم تطبيق المادة.

ومن وجهة نظر المحامية رباب العريض، فإن المادة غير مقتصرة على حالات الاغتصاب التي تشمل المواقعة برضا الفتاة إذا لم تتم الرابعة عشرة من عمرها، لكن المادة تخص أيضاً المواقعة برضا الأنثى القاصر.

ورأت العريض أن إلغاء المادة يتطلب إعادة النظر بصورة شاملة لجميع المواد القانونية المنطوية تحت بند الاغتصاب والاعتداء على العرض في قانون العقوبات البحريني، ففي حالة الرضا يعاقب الذكر دون الأنثى وكأنها شخصية مسلوبة الإرادة، وفي حال الإلغاء يجب أن يعاقب الطرفان لتحقيق المساواة.

وبالفعل هناك فتيات تقل أعمارهن عن 21 سنة ويعتبرهن القانون قاصرات، وتتم مواقعتهن برضاهن، ويعاقب الرجل والذي يعد قاصر أحياناً، وشهدت المحاكم البحرينية عدة قضايا من هذا النوع، وفتاة تسببت بحبس أكثر من شاب وهي حرة طليقة.

وأكدت أن مواد الاغتصاب والاعتداء على العرض في القانون تحتاج إلى إعادة نظر بصورة شاملة، وصناعة قانون متوازن ضمن إستراتيجية كاملة، فإلغاء المادة 353 وحدها سيخلق نوعاً من عدم التوازن.

وقالت أنا مع تعديل المادة بوضع ضوابط أكثر ملاءمة مع الظروف الحالية، وأسوة ببعض الدول العربية منها أن تكون مدة الزواج 3 سنوات، وفي حال طلقها قبلها تعاد له العقوبة.

إنسانية المرأة

من جهته، قال المحامي فريد غازي إنه في حال وقع الاغتصاب لا يجوز زواج المغتصب بالمجني عليها، حفاظاً على إنسانيتها.

وأشار إلى أن الاغتصاب يعاقب عليه بالإعدام والمؤبد أن كانت لم تتم السادسة عشرة دون رضاها، ولا يعتد بالرضا في حال لم تتم الرابعة عشرة من عمرها.

وأوضح بأن الاغتصاب تم بغير رضا المجني عليها فكيف يتم الزواج برضاها، وهو يظهر تناقض النص القانوني.

وشدد على أن المادة 353 وضعت في زمن كان المجتمع البحريني معروفاً بالبساطة والمحافظة على عاداته وتقاليده، ومع مرور السنين دخلت مفاهيم وأنماط جديدة، وأصبح أكثر تعقيداً يحتاج إلى نص أكثر مواكبة لهذه التطورات، كما أن المادة لا تنطبق على البحريني بل أي شخص يرتكب الجريمة في البحرين وهناك العديد من جرائم الاغتصاب مرتكبوها آسيويون فمن غير الممكن تزويج الفتاة من رجل لا يتكافأ معها بالفكر والعادات والتقاليد ولا حتى في الدين، ويدعو إلى وضع ضوابط لمسألة الزواج.

ولفت إلى أن القاضي في حال قدم له عقد زواج صحيح، استناداً على نص هذه المادة ليس أمامه خيار سوى إعفاء المتهم من العقوبة.

وطالب بوضع شروط ومعايير يحفظ للمعتدى عليها حقوقها الإنسانية ولا تهدر ما تبقى لها من حقوق وكرامة لهذه الإنسانة.

قانون العقوبات

وينص قانون العقوبات البحريني تحت باب الاغتصاب والاعتداء على العرض في المادة(344) يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات من واقع أنثى بغير رضاها.

وتكون العقوبة السجن إذا كانت المجني عليها لم تتم السادسة عشرة. والمادة ( 345) يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين من واقع أنثى بلغت السابعة ولم تتم السادسة عشرة برضاها. ويعاقب بالحبس من واقع أنثى أتمت السادسة عشرة ولم تتم الحادية والعشرين برضاها. أما المادة(346) فإنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين من اعتدى على عرض شخص بغير رضاه. وتكون العقوبة السجن إذا كان المجني عليه لم يتم السابعة، وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات إذا كان المجني عليه قد أتم السابعة ولم يتم السادسة عشرة.

في حين جاء في المادة 347 يعاقب بالحبس من اعتدى على عرض شخص لم يتم الثامنة عشرة برضاه ويعتبر ظرفاً مشدداً في الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة من هذا الفصل:- إذا كان الجاني من أصول المجني عليه أو المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو خادماً عنده أو عند أحد ممن تقدم ذكرهم.. إذا كان الجاني من الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة أو رجال الدين أو الأطباء أو معاونيهم واستغل مركزه أو مهنته أو الثقة به..

إذا ساهم في اقتراف الجريمة شخصان فأكثر تعاونوا في التغلب على مقاومة المجني عليه أو تعاقبوا على ارتكاب الفعل به.. إذا أصيب المجني عليه بمرض تناسلي نتيجة ارتكاب الجريمة.. إذا حملت المجني عليها أو زالت بكارتها بسبب الجريمة، وذلك وفق المادة(348) من القانون، وفي حال أفضت إحدى الجنايات المنصوص عليها في المواد السابقة من هذا الفصل إلى موت المجني عليه، كانت العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد كما تنص المادة(349).

وتنص المادة 350 «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مائة دينار من أتى علناً فعلاً مخلاً بالحياء، كما يعاقب بالعقوبة ذاتها من ارتكب فعلاً مخلاً بالحياء مع أنثى ولو في غير علانية».. والمادة 351 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 3 أشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز عشرين ديناراً من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل في طريق عام أو مكان مطروق، ويعاقب بذات العقوبة إذا كان التعرض بطريق التليفون.

ويفترض وفق المادة 352علم الجاني بالسن الحقيقية للمجني عليه في الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة، ما لم يثبت من جانبه أنه لم يكن في مقدوره بحال الوقوف على حقيقته.

وتنص المادة 353 على أنه لا يحكم بعقوبة ما على من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة إذا عقد زواج صحيح بينه وبين المجني عليها فإذا كان قد صدر عليه حكم نهائي قبل عقد الزواج يوقف تنفيذه وتنتهي آثاره الجنائية.

التجربة التونسية

وذهبت التجربة التونسية في تعديل المادة لقانون العقوبات التونسي المادة 227 إلى أنه يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من واقع أنثى بدون عنف سنها دون خمسة عشر عاماً كاملة، وإذا كان سن المجني عليها فوق الخمسة عشر عاماً ودون العشرين سنة كاملة فالعقاب يكون بالسجن مدة خمس أعوام والمحاولة موجبة للعقاب، وزواج الفاعل بالمجني عليها في الصورتين المذكورتين يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة، وتستأنف التتبعات أو آثار المحاكمة إذا انفصم الزواج بطلاق محكوم به إنشاء من الزوج وذلك قبل مضي عامين عن تاريخ الدخول بالمجني عليها.

وفي السياق نفسه، تقدم النائب محمد المعرفى مؤخراً باقتراح بقانون يطالب فيه بالغاء المادة 353.