مازالت الثورة السورية ماضية في درب الحرية والكرامة وتحقيق العدالة، مازالت تروي ربوع سوريا بدماء خيرة أبناء هذه الأمة من رجالٍ ونساءٍ سطروا أروع الأمثلة في الشجاعة والبطولة والتضحية؛ من أجل رفعة هذه الأمة وعزها ومجدها.. دماء ما عرفت هذه الأرض في عصرها الحديث أطهر ولا أنقى ولا أزكى منها.
في كل يومٍ ترتقي أنفس طاهرة لطالما كانت تنتظر لقاء ربها.. كانت تعيش في يومٍ من الأيام بيننا، وتجالسنا، وتسمر معنا، وتفرح إذا فرحنا، وتحزن إذا حزنا، وتضحك إذا ضحكنا، وتبكي إذا بكينا، إن كان للمسلمين نصر رأيت البشر في محياها، وإن كانت الجراح تثخن في جسد هذه الأمة رأيت الدمع يتساقط من عينيها.
جسدت في حياتها أسمى معاني الحب والإخاء والوفاء، ولم تعرف في يومٍ من الأيام أياً من المعاني التي من الممكن أن تفسد بين الإخوة والأصحاب، أحبت بصدق، وكانت معاني المحبة تتلألأ من عينيها بل إنك لترى الحب ماثلاً أمام ناظريك، ولطالما كانت تسأل ربها أن يجمعها مع من تحب يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، تسأل الله تعالى دائماً أن تكون منزلتها بالجنة في أعلاها وأسماها بالقرب من النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وبجوار صحبه الكرام رضوان الله عليهم.
تكمن عظمة هذه الأنفس الزكية فيما تصبو إليه، كان هدف هذه الأنفس أن يسود العدل والسلام ربوع هذه الأرض وأن تعلى راية التوحيد في كل أرجاء المعمورة؛ وما ذاك إلا لحبها الخير لكل من يعيش على وجه الأرض، تريد أن ترى الإسلام يعمر قلوب البشر، فينعم أصحابها بالأمن والأمان والراحة والطمأنينة والانشراح، ويفوزوا بجنةٍ عرضها السماوات والأرض ولو كلفها ذلك أغلى ما تملكه وهي نفسها التي بين جنبيها.
كانت تسخر مواهبها في خدمة هدفها النبيل الذي وضعته في هذه الحياة، لم تكن ترى في الوجود معنى بغير هذا الهدف، كانت نفوسها تتوق لأن تكون ثمناً لنيل رضا المولى جل وعلا، كانت تريد أن تبذل أغلى الأثمان في سبيل نيل سلعة الرحمن «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم».
ينظرون الفردوس في ساحة الحرب.. فيستعجلون أجر الشهيد صعدوا للعلا بريش نسورٍ.. ومضوا للردى بعزم أسود. قد تعجبون.. هل كانت مثل هذه الأنفس الطاهرة في يومٍ من الأيام تعيش بيننا؟! نعم كانت تعيش بيننا ولكن لم تكن أفئدتها مثل أفئدتنا.. لقد كانت أفئدتها كأفئدة الطير، وكانت ترفرف في السماء.. ذاقت طعم الحياة الحقيقية.. تركت لنا الدنيا بما فيها وآثرت أن تلقى بارئها جل وعلا، ولسان حالها كان يقول:
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا.. رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا.. قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل اللـه في.. أنف امرىء ودخان نارٍ تلهب
هذا كتاب اللـه ينطق بيننا.. ـ ليس الشهيد بميتٍ ـ لا يكذب
إن مثل هذه القلوب الصافية والأنفس الطيبة الطاهرة الزكية النقية حق على التاريخ أن يسجل أسماءها في تاريخ العظماء، وواجب على كتاب السير أن يجعلوها ضمن سير أعلام النبلاء «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً».
أخي وأخو الشهداء الكرام.. أين أنا اليوم من مشهديك
صحبتك في غمرات الحياة.. تحنو علي وأحنو عليك
إلى غاية سرت من غاية.. وإني خلفك في غايتيك
ومالي بعدك غير الدموع.. أبذلـها في طريقٍ إليك
إن القلب ليحزن لبعدهم، وإن العين لتدمع لفراقهم، فأطلقوا الدموع من محبسها، وفكوا قيودها، ودعوها تروي هذه الأرض بماءٍ منبعها قلب محبٍ لمن أحب.
شيئان ما عيب البكاء عليهما.. فقد الشباب وفرقة الألاف
أغرقت همي بالدموع فخانني.. وطفا فويلي من غريقٍ طافي!
أحمد عادل العازمي