في فبراير عام 1979نجحت الثورة الإيرانية في الإطاحة بنظام حكم الشاه محمد رضا بهلوي، يومها، نشرت وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم صورة الرجل المسن (76 عاماً) مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني ممسكاً بعباءته السوداء ينزل بتأن سلم الطائرة الفرنسية بوينغ 747 والتي أقلته من باريس إلى طهران، وفور وصوله أعلن تحويل إيران من نظام ملكي، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، إلى جمهورية إسلامية تحت حكم الملالي.
وهكذا نجح «عمائم قم» بزعامة الخميني، في مصادرة الثورة الإيرانية من الشعب الإيراني والقوى الوطنية الفعلية التي ساهمت في صنعها ونجاحها، وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق ذات الدور والتأثير البارز على الساحة السياسية في إيران.
بعدها تولى الخميني ليسمى منصبه منذ ذلك الوقت المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وتولى أول رئيس حكومة للثورة مهدي بازركان، إلا أن ذلك أثار معارضة كبيرة في صفوف أطياف المجتمع من العسكرين والأكراد والأحواز، العرب السنة، السياسيين وغيرهم، وهم من كان يقف جنباً إلى جنب في حرب الشوارع ضد نظام الشاه.
لم تكن الثورة الإيرانية قائمةً على أساس ثقافة نظام صالح بدلاً من نظام فاسد، أو تصحيحٍ لمسار نظام مخطئ، كما لم تكن الثورةُ قائمةً على أساس النظريات السياسية، أو غير ذلك من العوامل أو المحركات التي تحدث في عالم الثورات، إذ أن حقيقة ثورة «الخميني» إنما قامت على أساس (المذهب الشيعي)، وبالخصوص عقيدة الإمامة والغيبة الكبرى، والتي تعني (أن الإمام يُعيّن من بَعد النبي من عند الله ـ تبارك وتعالى ـ ويكون الإمام كالنبي معصوماً، فطاعته واجبة على الأمة، وهو رئيس وحاكم الأمة الديني والدنيوي).
يقول «الخميني» في كتابه «الحكومة الإسلامية» (ص36): (من حق الفقهاء ـ أي علماء الشيعة ـ بل من واجبهم، ومن المفروض عليهم أن يسعوا إلى أن يكونوا خلفاء لإمام آخر الزمان, الإمام الغائب, وأن يمتلكوا زمام الحكم كممثّلين للإمام وكمندوبين عنه، ومن هنا تصبح طاعتُه واجبة، ليس فقط كإمام؛ بل كنبيّ وكرسول).
هكذا كان يجب أن تكون عليه الثورات وإلا فلا..
وبمجرد أن نجح في ثورته، بدأ الخميني في تصدير ثورته فحاول نشرها في أماكن أخرى من دول الجوار ( العراق ، و دول الخليج العربي ، لبنان ومصر..) وكان يطلق على هذه الطريقة مصطلح (تصدير الثورة). وفي بيان الذكرى السنوية لانتصار الثورة في 11/2/198 أعلن الخميني علناً عن فكره فقال: (إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم) وقد بدأ بالفعل في تنفيذ مشروعه في بعض دول الخليج العربي إلا أن حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران نجحت في إعاقة مشروع تصدير الثورة الإيرانية، بيد أنها لم تستطع القضاء عليها.
محاكم الثورة
محاكم الثورة، حينما يتردد هذا الاسم على مسامع غالبية أصحاب الرأي في إيران والمطالبين بالحقوق المغتصبة من نظام الملالي الإيراني، يخطر على حقبة نظام إسماعيل الصفوي حين فرض المذهب الشيعي على الإيرانيين من أهل السنة بحدة السيف.
ومحاكم الثورة الإسلامية، هي إحدى أهم واخطر الهيئات التي تكونت بعد العام 1979 بيوم واحد، بتوجيه مباشر من المرشد الأعلى «خميني»، وتولت هذه المحكمة مهمة تأطير رغبات معممي إيران والاستخبارات الإيرانية الدموية، ووضعها في قالب نظامي هدفه قمع وإبادة كل من يخالف السياسة الإيرانية، فكرياً، وسياسياً، وعقدياً، وعرقياً، فهي بصورة أبسط تحاكم أصحاب الرأي وبعض منتقدي نظام الملالي الإيراني من غير الصفويين، وليس من اختصاص محكمة الثورة النظر في القضايا غير السياسية.
ومن فبراير عام 1979 وحتى نوفمبر من العام نفسه كانت المحاكم الثورية قد نفذت أحكام إعدام على نحو 550 مسؤولا، كثير منهم من قوات الاستخبارات والجيش خلال عهد الشاه، كما أصدرت أحكاما غيابية بإعدام الشاه وعدد من وزرائه وقادة الاستخبارات الإيرانية (السافاك) والشرطة السرية الذين فروا للخارج.
رأس المحاكم الثورية منذ تأسيسها صادق خلخالي المعروف في الدول الغربية أيضا باسم «القاضي الأحمر» بسبب كثرة أحكام الإعدام التي أصدرها ضد كبار المسؤولين في حكومة الشاه وضباط الجيش والاستخبارات الإيرانية والسرعة التي كانت تنفذ بها وعدم وجود ممثلين للدفاع، ومن ذلك إعدام رئيس الوزراء الأسبق أمير عباس هويدا في 7 أبريل 1979 والرئيس السابق للشرطة السياسية في عهد الشاه نعمة الله نصيري، كما أصدر أحكاماً بإعدام أطفال ونساء دون منحهم أبسط الحقوق.
وعرف الغرب خلخالي بعد أن ظهر على شاشات التلفزيون وهو يحرك بعصا جثث الجنود الأميركيين الذين احترقوا في مهمة فاشلة لإنقاذ 52 رهينة احتجزوا بالسفارة الأميركية في طهران، وفي الثمانينات أعدمت المحاكم الثورية عشرات الأكراد الذين اعتقلوا أثناء عمليات التمرد التي اندلعت في المناطق الإيرانية التي تقطنها غالبية كردية. كما كان العلمانيون والشيوعيون ضحايا المحاكم الثورية بعدما اختلفوا مع رجال الدين بعد الثورة.
وفي السنوات الأولى بعد تأسيس المحاكم الثورية لم يكن هناك محامي دفاع وكانت الأحكام تصدر خلال ساعات، مما جلب على تلك المحاكم انتقادات كبيرة من مراجع التقليد في قم ومن بين هؤلاء آية الله محمد كاظم شريعتمداري، وآية الله حسن قمي الطبطبائي ورئيس الوزراء الراحل مهدي بازوركان، إلا أن المرشد الأعلى لإيران وقائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني دافع عن عمل المحاكم.
لم تكن المحاكم الثورية معنى حقيقياً للعدالة، فلم يمثل المتهمون “المتظاهرون” بمحامين لهم، بل كانوا يصطفون أمام المشانق في الشوارع بوجود قاضٍ يستمع لهم ويحكم على الفور، وكانت المحاكم الثورية موجودة في كل المدن الكبيرة ومن بينها مشهد وشيراز وأصفهان وطهران، التي كان يوجد بها محاكم ثورية تتبع السجون الأساسية فيها مثل «ايفين» و«قاصر»، كما كانت هناك محكمة ثورية متنقلة برئاسة خلخالي.
وقد باشرت مهامه الأولى في مناطق الشعوب غير الفارسية «الأحوازيين، الأكراد، البلوش والقوميات الأخرى» بهدف تثبيت اركان النظام السياسي الجديد، ولعل أكثر من تدفقت دماؤهم من هذه المحاكم هم العرب الأحواز الذي كانوا أول ضحايا محاكم الثورة بعد بعض مسؤولي عهد الشاه، إذ تعرض المئات من أبناء هذا الشعب العربي لحملة اعدامات جماعية، منها حملة الاعدامات في يوم واحد بشوارع مدينة المحمرة والمناطق المجاورة لها بعد رفضهم للحكم الفارسي بزعامة الخميني.
وكان الخميني أطلق وعده للأحوازيين قبل الثورة بإنهاء الاحتلال الفارسي للأراضي العربية الأحوازية مع سقوط نظام الشاه، مقابل دعم الأحواز له في ثورته، الا ان «خميني» بدل الإيفاء بالوعد بعث ب»صادق خلخالي» قاضي محاكم الثورة آنذاك لينفذ تلك الجريمة الشنيعة والتي عرفت بيوم «الأربعاء الأسود» في مايو عام 1979 والذي استشهد فيه أكثر من 300 أحوازي من خلال الاإدامات الجماعية في مدينة المحمرة بأوامر من قاضي محاكم الثورة خلخالي والجنرال أحمد مدني، وتعتبر من أكبر الجرائم التي ارتكبتها محاكم الثورة ضد الأحوازيين.
ومن بعد هذه الجريمة، قام الحرس الثوري في الأحواز، باعتقال العشرات من شيوخ القبائل ووجهاء العشائر وشخصيات اجتماعية وسياسية أخرى كانت تهيئ الشعب الأحوازي للتحرر من الاحتلال في أواخر عهد «الشاه» وأخضعها لمحاكم الثورة وأعدموا جميعاً دون إثبات غالبية الاتهامات الموجه إليهم.
وأعدموا عشرات من العلماء البارزين، وقبضوا على آلاف من العلماء والشباب من بداية الثورة إلى الآن، وكان فيهم :
1- الشيخ العلامة أحمد مفتي زادة ( من محافظة كردستان) وذلك لجريمة مطالبته حقوق أهل السنة وجمع شملهم، وتوفى رحمه الله تعالى بعد التنكيل والتعذيب وذلك بعد عشر سنوات قضاها دخل السجن .
2- الشيخ الدكتور أحمد ميرين البلوشي لكون المذكور أنهى دراسته من الابتدائي إلى مرحلة الدكتوراه في المملكة العربية السعودية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة باسم أنه وهابي ينشر فكرة الوهابية،ولما لوحظ من قبله نشاط في الدعوة وبيان عقيدة الصحيحة السنية، وكان في أشد السجن والتعذيب حكموا عليه حبس (15 عشر) سنة.
3- الشيخ محي الدين من عاصمة خراسان: حيث اعتقل قبل سنوات دون أن يقدم إلى محكمة أو يوجه إليه تهمة إلا أنه كان يرأس مدرسة دينية في خراسان وتأخذه الغيرة على اعتقادات أهل السنة واتهمته الدولة بالوهابية يريد الفرقة بين الشيعة والسنة وبعد سنتين في السجون الخميني نفوه إلى محافظة إصفهان لسبع سنوات، والآن منفي في بلوشستان .
4- والأستاذ إبراهيم صفي زاده خريج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض قبل ثلاث سنوات اتهموه بأنه وهابي وضربوه سبعين جلدة في وسط السوق، وأدخلوه السجن، وحكموا عليه سبع سنوات في السجن، وقد أطلق سراحه أخيراً بعد التعهد على أن لا يتكلم عن الدين .
5- الشيخ نـظر مـحمد البلوشي وهو كان عضواً في البرلمان ومندوباً لإحدى مناطق بلوشسان الإيرانية وكان الشيخ سنتين في أشد التعذيب في سجون الخميني، وأخذ منه اعترافاً زوراً وجبراً بأنه جاسوس من قبل العراق وإسرائيل يعمل لهم في إيران رغم أنه عالم من العلماء البارزين لأهل السنة معروف لدى الناس، وقد هاجر الشيخ أخيراً إلى باكستان فارا بدينه .
6- الشيخ المجـاهد دوست مـحـمد البلوشي الذي يبلغ من عمره أكثر من ثمانيـن سنة، قبض عليه لدفـاعه عن صحـابـة رسول اللّه (ص) في رسائل عدة وبعد أن قضى سنتين في أشد التـعذيب في سـجون الخـميني نفوه إلى محـافظة إصفهـان، وبعد سنة أطلقـوه، والآن يعيش تحت الحراسة، ممنوع الخروج من البلد إلا بإذن خاص.
7- والشيخ السيد عبد الباعث القتالي إمام وخطيب في بندر خـمير في السّاحل حـد كثر من ثلاث سنوات لأنه أعلن به رؤية هلال عيـد الفطر بدون إذن الحكومة واتـهم بـأنه عـميل للوهابيين ومتابعهم فى الفطر.
8- الشـيخ المجـاهد مـولوي إبراهيم دامني من علمـاء بلوشستان سجِن لأكثر من ثلاث مرات وفي المرة الأخيرة أعطوه سـجن خمس عشـرة سنة لأنه تجرأ أن يجيب على وسـاوس وتهم كتاب (ثم اهتديت) للتيجاني الشيعي ولم يزل مسجوناً في مشهد.
9- الشيخ عبد المجيد من مدرسي المعهد الديني في زاهدان بدون أي جريمة .
10- الشيخ محمد قاسم من مدرسي المعهد الديني في زهادان بدون أي جريمة.
11- الشيخ أحمد ناروئي من مدرسي المعهد الديني في زاهدان بدون أي جرمية .
ومولانا عبد الله قهستاني ، ومولانا عبد الغني شيخ جامي ومولانا سيد أحمد الحسيني ومولانا عبد الباقي شيراني ومولانا جوانشير داودي ومولانا غلام سرور بريزي ومولانا سيد محمد موسوي ومولانا نور الدين نيك كردار ومولانا عبد اللطيف وآخرين من منطق مختلفة لا نعرف أسماءهم. وقد أطلق عن بعض وبقى الأكثر في السجن بدون أي جريمة إلا أنهم يريدون التمسك بعقيدتهم الصحيحة والتجنب عن الخرافات والبدع التي تريدها الآيات أن تنشرها.
وفي فبراير 2013 قامت محكمة شعبية خاصة في هولندا برصد انتهاكات النظام الإيراني بعد ثورة 1979 وما تلاها من مجازر لمعارضي النظام في ثمانينيات القرن الماضي، وأصدرت تلك المحكمة الخاصة تقريراً أشارت فيه لقتل نظام الخميني أكثر من 20 ألف سجين سياسي، سعياً منها لتوثيق الأحداث والدفع لمحاكمة النظام رسمياً.
وضمت المحكمة عدداً من العاملين في محكمة العدل الدولية والقانونيين والأكاديميين، إضافة إلى بعض الشهود الإيرانيين.
وفي تقرير للمحكمة، يذكر المحققون تفاصيل الجرائم التي ارتكبها النظام والتي تلخصت في القتل وتعذيب المساجين، والذي قاد عدداً منهم للانتحار، ومحاربة الأقليات العربية والبهائية والكردية، والسماح بالتعديات الجنسية على المساجين، إضافة إلى التعذيب النفسي لأهالي المساجين. كما ارتفعت بعد فتوى للخميني عام 1988 بجواز قتل المعارضين للنظام.