تشهد توجهات الخطاب الراديكالي في البحرين تناغماً كبيراً مع ما يصدر من الإدارة الأمريكية، الأمر الذي يؤكد المخرجات المرجوة من اجتماع السفير الأمريكي توماس كراجيسكي مع أمين عام جمعية «الوفاق» علي سلمان، حيث طلب الأول من الأخير التحشيد لمظاهرة شعبية كبيرة لدعم الرئيس الأمريكي وخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لم يكن التحشيد متاحاً لأمين عام جمعية «الوفاق» في ظل التراجع الكبير بين مؤيديه، وانقلاب الطاولة عليه من عدد كبير من الطائفة الشيعية الكريمة التي تبرأت مما يحاك للنيل من أصالة وعراقة شعب البحرين المتسامح والمتعايش بشكل حضاري وسلمي، وفقاً لأصول التمدن البشري، من قبل أن يعرف المجتمع الغربي هذه المعاني بقرون، إذ أكد رئيس الأوقاف الجعفرية «أن المساعي التي تبذلها بعض الجهات للوقيعة بأبناء الطائفتين والزج بهم هو رهان خاسر ومصيره الفشل ويقظة أبنائه هي الضمان الأول لإفشال كل ما يحاك للوقيعة بأبناء الشعب الواحد ماضياً وحاضراً ومستقبلاً»، مشدداً على أن «البحرين لا تحتاج إلى من يشهد لها بذلك».
علي سلمان لا يستطيع المحافظة على مكانته، من دون تأزيم، يسعى لخلق واقع خيالي لا يوجد إلا في أحلامه السياسية، يحاول أن يجعل الصراع السياسي البحريني طائفياً ليتوحد مع أوباما، ولا يعنيه في ذلك أن البحرين وعبر تاريخها الطويل انتهجت التسامح والاعتدال والتعايش المجتمعي بين مختلف الطوائف والأعراق والديانات، بما لا يسمح لأي توتر أو صراع طائفي، كما هو حاصل اليوم في دول أخرى كالعراق وسوريا. وسمة ما حفل به علي سلمان في خطبة عيد الأضحى أمس، استمراره بالتحدث باسم شعب البحرين، إلا أنه هذه المرة خص الطائفة الشيعية الكريمة بتنصيب نفسه ممثلا عنها، مع الاحتفاظ بازدواجية مواقفه المتناقضة في الدعوة والحث على التعليم حيث قال «علينا التمسك بالتعليم أكثر (...) والاهتمام بالتحصيل»، وفي عبارة أخرى «والمطلوب الاهتمام بالتعليم»، بينما يستمر بالتحريض لتعطيل الدراسة بالفوضى وزج الطلبة بلعبته السياسية، وآخرها ما حصل بمدرسة الجابرية الصناعية، التي تعرضت مرافقها لتخريب متكرر. وشمل الحديث عن الجانب الاقتصادي تحريضاً خفياً بالمقاطعة التجارية لفئة معينة من الشعب، لخلق نوعٍ من الفتنة «علينا أن نواجه ا?ستهداف عبر التعاضد»، رغماً عن أنه شجب الإجراءات التي من شأنها الحفاظ على الاقتصاد والحركة التجارية، وسعى لشل الاقتصاد الوطني، وتعطيل الحركة التجارية.
ويأتي الشق الآخر من الاقتصاد الذي يوجه له علي سلمان في جملته «علينا (..) معاونة الآخرين من التجار وتوجيه المستهلكين بالاتجاه المناسب»، وتفسر تلك الدعوة على أنها طائفية بحتة، تنادي بمقاطعة بعض التجار في البحرين، وقصد البعض الآخر، بهدف جلب المنفعة لطائفة بعينها، والتمييز والتعصب حتى في الحياة العامة.
ما لا يسعى لإدراكه سلمان أن «البحرين ستواصل النهج الذي وضعه المشروع الإصلاحي للعاهل المفدى، في إرساء قواعد الدولة المدنية الحديثة القائمة على سيادة الدستور والقانون ومبادئ التعددية والديمقراطية والعدالة واحترام وصون حقوق الإنسان والمشاركة الشعبية وتوفير التعليم الحديث والتمكين المهني، بما يكفل الحقوق وينمي القدرات ويوفي متطلبات الحياة الكريمة والمستقبل الآمن للجميع». وأن كل ما يجري في البحرين هو «قيام جماعات إرهابية متطرفة باستهداف رجال الأمن والمواطنين والمقيمين، بهدف الترويع وإثارة الفرقة وإحداث الفتنة وضرب الاقتصاد الوطني والتنمية، وإن هذه الأعمال تتم مواجهتها بالقانون والقضاء العادل الذي يحمي حقوق الجميع».