من الأمور التي لفتت انتباهي حينما عقدت جلسة نقاش بين مسؤولين في الحكومة وكتاب الرأي، الإشارة إلى أن بناء برنامج الحكومة اعتمد على عدة مصادر لبناء الأولويات، وأن من ضمنها نتيجة استطلاع أو استبيان عالمي أجرته الأمم المتحدة عبر مكاتبها المنتشرة حول العالم.
شخصياً كنت حاضراً في يوم الأمم المتحدة وقمت بملء هذا الاستبيان البسيط والذي كان يطلب تحديد أولويات الإنسان كلاً في دولته، وتحديداً أبرز ثلاث أولويات من ضمن عدة أمور أراها تصنف في خانة الاحتياجات أو الأولويات. وبناء على النتائج خلصت الأمم المتحدة إلى إحصائيات ونسب وقراءات بشأن فهم ما هي الأمور التي يعتبرها الإنسان أولوية.
هذه عملية طيبة، وأعني بها قياس مطالب الناس من خلال بيان احتياجاتهم وترتيب أولوياتهم، لكن استبياناً تقوم به المؤسسة الدولية سيعطي قراءة عامة شاملة توجه في خطاب واحد للعالم بأسره، دون أية تفصيلات.
فقط أفكر هنا بصوت مسموع بشأن عملية قياس أي شيء يتعلق بالمواطن البحريني، سواء احتياجات أساسية، مطالب، طموحات، أحلام وغيرها. كيف يمكننا الوصول لنتيجة يمكن اعتمادها بشكل رسمي مثلاً لنقول بأنها بالفعل تمثل احتياجات أو مطالب الإنسان البحريني؟!
كنا فيما نقوله بأن الدولة لا تعجز اليوم إن أرادت معرفة ماذا يدور في عقل المواطن البحريني، وماذا يريد وماذا يتطلع إليه. هناك عدة مصادر بمجرد متابعتها يمكن الوقوف على كثير من هذه الأمور. هناك وسائل التواصل الاجتماعي باختلافها وتنوعها، هناك الصحافة وما تنقله، وصفحات البريد ومشاركات الناس وماذا تتضمنه، هناك برامج الإذاعة التي هي اليوم لدينا أقوى بكثير من برامج التلفزيون لكن أيضاً الأخيرة يمكن لها قياس رأي الناس.
لكن تظل هذه مصادر تلقائية يعبر فيها الناس عن رأيهم، وهي متاحة كخيارات للدولة ومسؤوليها إن أرادوا الالتفات لها والأخذ بها أم لا، وهنا تكمن المشكلة التي نراها نحن كمراقبين، إذ بعض الوزارات وبعض المسؤولين يتصرف ويضع استراتيجية عمله وينفذ في اتجاه معاكس تماماً لما يطالب به الناس. هنا يمكن الجزم تماماً بأن هؤلاء لم يقفوا على رأي الناس، ولم يكلفوا أنفسهم لمعرفة حتى توجهاتهم في أي عملية معنية بهم، هذا إن كنا نؤمن –وهو الصحيح والأساس- بأن محور العمل الحكومي هو المواطن والسعي ينصب في اتجاه تعزيز الخدمات الموجهة له بهدف تحقيق الرضا العام.
فقط قبل أن نطرح الفكرة هنا، سنورد مثالاً بسيطاً لتقريب الفكرة ليس إلا، إذ في عالم التدريب بمختلف أنواعه، تكون أفضل النتائج وذات الفائدة الكبيرة من وراء التدريب، تلك القائمة على عملية أساسية هي ما نسميها «تحديد الاحتياجات التدريبية» وهي التي بناء عليها يتم توجيه البرنامج هذا أو ذاك لتلك الفئة الموظفين أو غيرها، أي أن تحديد الاحتياجات يفرز لنا حاجة كل فئة لتقوية نفسها في أي مجال كان في التدريب، أو أي مهارة من المهارات، سواء الإدارية أو التخصصية أو غيرها.
وبنفس الطريقة، إن كنت تريد بناء استراتيجية قوية مؤثرة تسهم في تغيير واقع الناس للأفضل، وذلك من خلال عملها المركز على تحقيق ما يصبون إليه، عليك أن تحدد أولاً ماذا يريد الناس، وماذا يطالبون به، وجمع كافة المعلومات بشأن ذلك، ومن ثم تبني عليها خطط العمل وبرامج التنفيذ.
الآن، حينما تسعى الأمم المتحدة لقياس احتياجات الناس وتحدد أولوياتهم على صعيد واسع جداً لتقدم بعدها تقريراً وخلاصة تفيد بأن «الأمن والاستقرار» على سبيل المثال هو المطلب الأول لشعوب العالم، فإنه بالإمكان بسهولة محاكاة هذه الطريقة والأسلوب، بحيث توضع خطة لقياس اتجاهات الناس وتحديد أولوياتهم.
كيف يكون ذلك؟!
هناك عدة طرق، سواء عبر ملء استبيانات من قبل موظفين الدولة في مواقع عملهم، تجمعهم الوزارة أو الجهة وتوجهها مثلاً بعد ذلك جميعها لمجلس الوزراء على سبيل المثال. أو أن يقوم الجهاز المركزي للمعلومات بعملية تشبه المسح الإحصائي، بحيث يتم الوصول للناس حتى غير العاملين في الدولة منهم، وملء استبيان بسيط يطلب منهم تحديد الأولويات بالنسبة لهم.
معرفة ما يريد الناس، وبشكل واضح ودقيق، هو أول الطريق لتحديد أفضل الأساليب للعمل من أجلهم ولتحقيق الرضا لديهم.
أوليس هدفنا في النهاية المواطن ورفع مؤشر السعادة لديه؟!