أن يتربص بك الآخرون فالأمر لا يحتاج مبرراً، فهم قد «لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب»، كما يقال.
إبداء سوء النية الإيراني تجاه كل شيء سعودي لا يتوقف. ومحاولات طهران «الصيد في الماء العكر» باستغلال الأحداث التي تقع أثناء الحج وتسييسها أصبحت فعلاً مكرراً ويصيب بالغثيان.
والأحداث التاريخية شاهد عيان على افتعال إيران أحداثاً مأساوية أثناء الحج، والذاكرة العربية والإسلامية لا تنسى.
وزير الصحة الإيراني يجتمع مع وزير الصحة السعودي في جدة ويتفقان دون مواربة على عمليات إعادة جثث الحجاج الإيرانيين الذين قضوا في حادثة التدافع في منى صبيحة عيد الأضحى، بينما كانت تهديدات المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي برد «قاس وعنيف» ضد السعودية إذا لم تعد الجثامين تصك الأذان.
وشكلت حادثة مصرع المئات من الحجاج في منى ومن قبلها سقوط رافعة على حجاج، شماعة لإيران تصعد عبرهما خلافاتها غير المبررة مع السعودية، ولتصل فيها إلى مرحلة الدعوة إلى إدارة جماعية للحج، بينما المعلومات التي كشفها مسؤول في مؤسسة مطوفي حجاج إيران حول ارتداد عكسي لـ300 حاج إيراني خالفوا تعليمات التفويج المحددة تدين طهران بالتآمر لافتعال حادثة خلال الحج.
سوء النية الإيراني لا يندرج ضمن «هواجس» دول عربية وإسلامية، إنما هو أمر متعود من طهران، والتاريخ لا يُنسى منذ محاولة تفجير الحرم عام 1986.
ولأن السعودية نجحت عبر «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» لتشكل بعداً مهماً في توازنات القوى الإقليمية، بعد 12 عاماً من تفكيك العراق، الذي كان موازياً ضارباً لقوة إيران في المنطقة، وبغيابه، أو بعدما استوعبته طهران، تحت جناحيها، بعد الغزو الأمريكي الذي فتح الطريق، بدأت التدخلات الإيرانية في السياسة الإقليمية تأخذ أبعاداً سافرة بلباس طائفي، خاصة أن جيشها التقليدي يُعد الأضخم عدداً في المنطقة بعد سقوط النظام العراقي، ومن حينها كان الاعتقاد السائد أن لا قوة إقليمية تستطيع أن تضع حداً لطهران.
ولأن العمليات الميدانية في اليمن عبر التحالف العربي بقيادة السعودية راهناً تحقق انتصارات متتالية.
لكل ذلك، تريد طهران أن تلفت أنظار العالم عن نجاحات السعودية وانتصاراتها لتصف الأحداث التي شهدها الحج – والتي افتعلت واحدة منها – بأنها كما تزعم طهران «فشل سعودي»، وتتناسى أن الذاكرة العربية والإسلامية مليئة بأحداث ومآسٍ إيرانية خلال الحج.
أعمال الشغب الإيرانية التي حدثت في مكة المكرمة في 31 يوليو عام 1987، حيث تظاهر بعض الحجاج الإيرانيين أثناء موسم الحج، وسدوا الطرقات وأحرقوا السيارات ومنعوا الحجاج الآخرين والأهالي من الذهاب إلى وجهاتهم، مما أدى إلى مقتل 402 شخص «275 من الإيرانيين، 85 من السعوديين، 45 حاجاً من بلدان أخرى»، ليست غائبة عن الذاكرة.
ولم تتراجع إيران، ففي عام 1987، قدم محمد باقر المهدي وبالتنسيق مع دبلوماسيين إيرانيين في السفارة الإيرانية تعليمات لـ16 حاجاً كويتياً على تنفيذ تفجيرات، استخدموا فيها متفجرات من نوع حربي «تي إن تي»، حيث قاموا بزرعها وتفجيرها.
وأعادت طهران الكرة مرة أخرى، عبر حادثة نفق المعيصم، إذا قام حجاج كويتيون منتمون لما يعرف بـ«حزب الله الحجاز»، وبالتنسيق مع جهات إيرانية، باستخدام غازات سامة لقتل آلاف الحجاج في نفق المعيصم سنة 1989، وقامت السعودية بإعدام المتهمين بالحادثة بعد أيام معدودة، واحتجت إيران على هذا الإعدام.