«ليت الكلاب لنا كانت مجاورة.. وليتنا لا نرى ممن نرى أحداً»، «الإمام الشافعي».
في وقت الأزمات يستبان ويظهر معدن الأصدقاء الحقيقيين بل وحقيقة الأشقاء، وأزعم أننا في «دول التعاون»، عرفنا حقيقة الأصدقاء وكشفنا الوجوه المتلونة والقبيحة لما يعرفون بـ «الأشقاء»، ورحم الله أبا عبدالله حين قال:
جــــــزى الله الشدائـــــد كـــــل خيــــرٍ
وإن كانـــــت تغصصنـــــــي بريقـــــي
ومـــــا شكـــــري لهــــــا إلا لأنـــــــي
عرفــــت بهــــا عــــدوي مـــن صديقـــــي
منذ إعلان وزير خارجية العراق إبراهيم الأشيقر «الجعفري»، عزمه للتوسط بين المملكة العربية السعودية وايران، وعلامات الاستفهام تطاردني:
أي وساطة هذه التي تتحدث عنها دولة العراق، وهي المنحازة إلى إيران بشكل سافر؟
الأشيقر زار إيران خلال الأزمة دون السعودية، ورئيس وزرائه حيدر العبادي أدان إعدام الإرهابي نمر النمر، برغم أن القضية مسألة سعودية داخلية لا يجوز لأي كان التدخل فيها، بينما المعروف في الوساطات الدبلوماسية اتخاذ الوسيط موقفاً محايداً حتى يمكنه التوصل إلى اتفاقات مبدئية لبناء الثقة بين طرفي النزاع، وتجنبه التدخل في أي من القضايا التي تمس الشأن الداخلي لأحدهما؟
دعني أطرح السؤال بصيغة أخرى..
كيف لحكومة عزفت، وصفقت، ورقصت للاحتلال الصفوي لأراضيها، أن تكون طرفاً محايداً في أي وساطة يكون المحتل الإيراني أحد أطرافها؟
دعنى أوضح الفكرة أكثر بسؤال آخر..
ما هو الثقل السياسي والاستراتيجي للعراق المحتل – حالياً – في المنطقة (مقارنة بما كانت عليه في عهد صدام حسين)، حتى يعرض وزير خارجيتها الوساطة؟
وهل المملكة العربية السعودية، بثقلها الإقليمي والدولي، وقوتها العسكرية الهائلة، وقيادتها الحاسمة للأمتين العربية والإسلامية، تقبل بوساطة دولة تصنف في العرف الدولي السائد، بالدولة الفاشلة؟
صدقوني، لست أتجنى أو أتحامل على العراق كشعب عربي أصيل ذي نخوة وشهامة، بل جل تحاملي على حكومة أصبحت مطية في يد الصفويين، ولا أتصور مطلقاً، كائناً من كان، عربياً حقيقياً، أن ينزع من قلبه، عشقه لعاصمة الرشيد، مدينة العلم والتاريخ والثقافة، وأياً كان حزنك يا عزيزي القارئ الكريم على حال العراق اليوم، لن يكون أكبر من حزني.
وحين نقول إن العراق دولة فاشلة، فنحن لم نخترع العربة، بل نقول ما قالته موسوعة المعارف «ويكيبيديا»، التي عرفت الدولة الفاشلة، فقالت: «هي دولة ذات حكومة مركزية ضعيفة أو غير فعالة حتى أنها لا تملك إلا القليل من السيطرة على جزء كبير من أراضيها (...) تفقد احتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها، وعاجزة عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة».
وأتصور لو طبقنا ما جاء في تعريف «ويكيبيديا» على الحالة العراقية، لوجدناها مطابقة حد الذهول، فجزء من العراق محتل من قبل تنظيم الدولة «داعش»، والباقي محتل من قبل إيران، أما بالنسبة للعنف السائد على أراضيها، فنظرة سريعة على صنيع ميليشيا «حالش» و«ماعش»، فتتأكد أن الدولة الفاشلة تدار من ميليشيات وعصابات وعمائم سوداء تابعة لإيران.
لا أريد أن أتحدث مجدداً عن النصف الممتلئ من الكأس، لأن أصله فارغ، فالعراق أصبح بالفعل فارغاً تماماً بسبب الفساد وعاجزاً عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة، وذلك وفق تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية البريطاني والصادر مؤخراً، وذكر فيه أن العراق معرض لخطر الإفلاس بحلول العامين المقبلين، وسيكون عاجزاً عن دفع رواتب موظفيه، بسبب تجاوز العجز في الموازنة المالية العامة للبلاد لمبلغ 50 مليار دولار!!
تبدو النتيجة بالفعل مطابقة بالمللي، لذلك كله، أقول لمن يريد التوسط:
لا حاجة لوساطاتك، فاذهب وحل عنا يا فاشل.. يا فاشل.. يا فاشل..