من بين ردود الفعل الكثيرة على القرار رقم 2334، الصادر عن مجلس الأمن الدولي، للمطالبة بوقف الاستيطان الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة، واعتباره غير شرعي وتجريمه، يلفت النظر رد فعل جاء على لسان سياسي عربي، اختصر القصة بكلمات قليلة معبرة، حين وصف القرار بأنه «خطوة في الاتجاه الصحيح». وهذا يعني في نظره أن القرار جاء ضمن سياق معين، سبقته خطوات، وستليه خطوات أخرى مستقبلاً.
موقف عالمي طال انتظاره
ما يميز القرار أن إرادة دول العالم بأسره التقت، ووقفت كلها صفاً واحداً بوجه إسرائيل، لأول مرة منذ زرعها على أرض فلسطين، عام 1948. تخيل كيف أن 15 دولة، بما فيها الدول الدائمة العضوية صاحبة حق «الفيتو»، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، والولايات المتحدة، وضعت كل خلافاتها جانباً، وما أكثر خلافاتها هذه الأيام، واتخذت موقفاً واضحاً موحداً لا لبس فيه: أنها ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد الاستيطان على الأراضي الفلسطينية، المحتلة منذ عام 1967.
هذا الإجماع العالمي ضد إسرائيل، المتمردة دوماً، على قرارات الأمم المتحدة لم يكن وليد صدفة وإنما جاء، على ما يبدو، بعد تفاهم الدول الفاعلة في عالم اليوم على حل القضية الفلسطينية، فالتقت إراداتها مجتمعة بدون تردد على اتخاذ القرار الحاسم، قبل أسبوع من نهاية عام 2016.
حل الدولة العلمانية... أم حل الدولتين!
معروف أن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، التي أنشئت في مدينة القدس عام 1964، حدد أن هدف المنظمة هو إقامة دولة علمانية بدل إسرائيل، يعيش فيها المسلمون والنصارى واليهود جنباً إلى جنب. وكان هذا هو هدف الفصائل والمنظمات الفلسطينية، التي انضوت تحت لواء المنظمة، وخاضت صراعاً مسلحاً مع إسرائيل ردحاً من الزمن، قبل أن تنضم لـ «مسيرة السلام». وكان حل الدولة العلمانية مدعوماً من دول أوروبا، خاصة بريطانيا التي تولت تاريخياً زرع إسرائيل في فلسطين. ومقابل هذا الحل طرحت الولايات المتحدة بديلاً، هو «حل الدولتين»، الذي يعنى قيام دولة فلسطينية بجانب إسرائيل. وقد تمحور الصراع الدولي حول القضية الفلسطينية حول الأخذ بهذا الحل أو بذاك: الدولة العلمانية أم الدولتين.
اعتراف المنظمة بإسرائيل والقبول بحل الدولتين
وبعد أن انخرطت منظمة التحرير الفلسطينية في الجهود السلمية، في السنوات العشر التي تلت الخروج من بيروت عام 1982، وصولاً إلى مؤتمر مدريد أول التسعينات، اعترفت المنظمة بإسرائيل، وتركت «الكفاح المسلح لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر». وقام مجلسها الوطني، في اجتماعه في غزة، نهاية عام 1998، بتغيير الميثاق الوطني الفلسطيني، بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، كي يتماشى الميثاق مع الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل، والتي تخلت بموجبها عن مطالبتها بفلسطين المحتلة عام 1948، وعن مطالبتها بحل الدولة العلمانية، في عموم فلسطين. واكتفت المنظمة بقبول دولة فلسطينية ضمن حدود 4 يونيو عام 1967، أي حل الدولتين، الذي فرضته واشنطن.
ورغم مرور عقود، لم تتمكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة من الاقتراب من تحقيق الدولتين. لكن يبدو أن السعي الحثيث لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خلال سنوات حكمه الثمانية، قد أثمر في نهاية المطاف عن تفاهم بين العواصم الفاعلة، للأخذ بحل الدولتين، ما يعني قيام دولة فلسطينية ترتبط فوراً بكونفيدرالية مع الأردن. وإن تم ذلك ستعود الضفتان، الشرقية والغربية، دولة واحدة مثلما كانتا قبل عام 1967. وبما أن الاتحاد الكونفيدرالي لا يقوم إلا بين دولتين، فكان لابد من تلبية الشرط القانوني بأن تصبح فلسطين دولة، وليس سلطة وطنية تحت الاحتلال.
تحضيرات دولية لقيام دولة فلسطين
وقد تركزت الجهود الدولية، خلال الأعوام الماضية، على التمهيد لقيام دولة فلسطين. فنجد أنه تم، عام 2012، منح فلسطين صفة «دولة غير عضو» في الأمم المتحدة، بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما سمح للسلطة الفلسطينية بالانضمام إلى عدة منظمات دولية. ثم أصدرت منظمة «اليونيسكو» مؤخراً قراراً اعتبرت فيه القدس والمسجد الأقصى مقدسات إسلامية فلسطينية، لا حق لليهود فيها. هذا بالإضافة إلى إجراءات شكلية أخرى لاستكمال التمهيد لإعلان فلسطين دولة مستقلة. وقد سبق وأعلن محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، أن عام 2017 هو عام «إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية»، مما يدل على وجود ترتيبات دولية قادمة ستنهي الاحتلال فعلاً، فتقوم دولة فلسطين، ثم تدخل في كونفيدرالية مع الأردن.
بقاء الحال من المحال
تزامنت التحضيرات الدولية مع استعدادات إقليمية، حيث دعت المعارضة الإسرائيلية إلى إجراء استفتاء شعبي على موضوع حل الدولتين، في النصف الأول من 2017، للاختيار بين حل الدولتين أو حل الدولة العلمانية، التي يسمونها «ثنائية القومية». أما الأردن والسلطة الفلسطينية، فكانتا أسبق في تهيئة الأجواء لسيناريو الكونفيدرالية، بزيارات متبادلة، بين عمان ورام الله، قام بها مسؤولون من الجانبين للتفاهم على الإجراءات والشكليات، والترويج للاتحاد الكونفيدرالي، بحيث ما إن تستوى الأمور دولياً حتى تكون الفكرة مقبولة أيضاً على مستوى الإقليم.
الخلاصة إذن، أن صبر العالم قد نفد مع تفلت إسرائيل من استحقاقات حل القضية الفلسطينية. فتم اللجوء مؤخراً إلى أسلوب الضغط الشديد، عن طريق مجلس الأمن الدولي، لتحجيم إسرائيل كي تنصاع لحل الدولتين. وهكذا جاء الإجماع العالمي لرفض الاستيطان. وسيليه خطوات أخرى تؤدي لإعلان قيام دولة فلسطين، والاعتراف بها عالمياً. ثم تأتي الكونفيدرالية مع الأردن، بعد تلبية متطلبات قيام الاتحاد، كانتخاب مجلس نواب مشترك للضفتين، وغير ذلك من إجراءات وشكليات. وبأتي اقتراب موعد تسوية القضية الفلسطينية في سياق أعم وأشمل، وهو أن الوصف الوظيفي لإسرائيل ربما يكون قد تغير، مع مرور الزمن، في نظر من زرعوها في هذه المنطقة. فبقاء الحال من المحال. ولكن السؤال دائماً: أين فلسطين، أرضاً، وشعباً، وقدساً، وتاريخاً، من هذا الحل أو ذاك؟
* إعلامي ومحلل سياسي أردني