دعا رئيس مجلس الشورى معالي السيد علي بن صالح الصالح، المواطنين الى ترشيد السلوكيات الاستهلاكية غير الضرورية، التي لا تؤثر على مستويات معيشتهم، وذلك للمساهمة في تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مملكة البحرين، نتيجة انخفاض الإيرادات العامة للدولة.

جاء ذلك خلال اللقاء الشهري الذي نظمته جمعية الصحافيين البحرينيين في مقرها بالجفير مساء الأربعاء، بحضور عدد من أعضاء مجلس الشورى وكبار المسؤولين وأعضاء الجمعية.

وأضاف الصالح أن المسؤولية اليوم تتوزع بين مختلف السلطات في الدولة، التنفيذية والتشريعية، إلى جانب مسؤولية وسائل الإعلام، للدفاع عن حقوق المواطنين، خصوصا ذوي الدخل المحدود، منوها أن على المواطن أيضا مسؤولية للدفاع عن نفسه من خلال تعديل بعض السلوكيات الاستهلاكية الخاصة التي يمارسها.



وانتقد الصالح بعض هذه السلوكيات المتمثلة في الاقتراض غير المبرر ولأسباب غير ضرورية، أو الشراء المحموم لبعض السلع والكماليات، والتي يمكن الاستغناء عنها دون أن يكون لها تأثير على مستويات المواطن المعيشية، مؤكداً الالتزام بالوقوف مع المواطن ذوي الدخل المحدود.

وكان رئيس مجلس الشورى قد استعرض الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البحرين، والمنطقة على وجه العموم، في المرحلة الحالية، معتبراً أن هذا الموضوع ليس متعلقاً بالدولة فقط، وإنما شراكة مجتمعية لكل فرد فيه دور يمكن أن يلعبه حسب مستواه وقدراته.

وحدد الصالح أولويات الاقتصاد البحريني في المرحلة الحالية بست نقاط وهي؛ ترسيخ اقتاد متنوع ونظام مالي ونقدي مستقر، وتأمين بنية تحتية داعمة للنمو الاقتصادي المستدام، وتمكين البحرينيين من رفع مساهمتهم في عملية التنمية وتحويل المواطن إلى طرف منتج، وضبط معدلات البطالة خصوصا بين فئة الشباب، وأخيراً تعزيز فعالية كفاءة الأداء الحكومية بما ينعكس ايجابا على الخدمات المقدمة بأقل التكاليف.

وأشار رئيس مجلس الشوري إلى عدد من التحديات التي تواجه الاقتصاد البحريني في المرحلة الحالية والمتمثلة في محدودية الموارد الطبيعية من حيث صغير المساحة الجغرافية ومحدودية النفط والمياه، وقال إنه وعلى الرغم من هذه المحدودية في الموارد فقد استطاعت البحرين تحقيق الكثير من الانجازات، وتم التغلب على هذه التحديات.

أما التحدي الثاني الذي اشار له الصالح فيتمثل في ارتفاع الدين العام لمستويات غير مسبوقة، وهو ما يشكل قلق وهاجس للجميع، منوها أن أغلب الاقتراض لم يكن موجها إلى مشاريع واغراض استثمارية، والذي يمكن تفهمه، بل أن الاقتراض قد تم توجيهه لسداد مصاريف متكررة، وهذا مكن الخطورة.

وأضاف أن تفاقم الدين العام يشكل عبئا على الاقتصاد من خلال الالتزام بدفع الفوائد على القروض، وهو أحد العوامل السلبية التي تؤثر على اقتصاد المملكة.

وأشار الصالح الى أن هناك تحديا آخر أمام الاقتصاد يتعلق بالعجز الاكتواري في صناديق التقاعد، والذي وصل إلى مستويات كبيرة، يجب العمل للتصدي لها والتقليل منها للمحافظة على هذه الصناديق وحقوق الاجيال القادمة، مشيراً أن النظام التقاعدي في مملكة البحرين سخي للغاية، بل هو من أكثر أنظمة التقاعد سخاءً مقارنة بدول العالم، وهو ما يمكن أن يكون له آثاره السلبية، مستشهداً بالحالة اليونانية في مجال التقاعد والتي تشابه الحالة البحرينية، حيث أدى ذلك إلى انهيار تام في الاقتصاد اليوناني مما اضطرهم إلى اتخاذ إجراءات قاسية تمثلت في خفض الرواتب للموظفين وكذلك رواتب المتقاعدين.

أما التحدي الرابع الذي تناوله الصالح فيتمثل في الحد من تفاقم البطالة، خصوصا في فئة الشباب، والذين يمثلون النسبة الأكبر من عدد السكان، منوها إلى ضرورة الوعي بحجم المشكلة وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج قد تؤدي بالشباب إلى الانحراف الأخلاقي أو السياسي او غيره.

ومن التحديات الذي تطرق لها رئيس مجلس الشورى، التقييم الائتماني لمملكة البحرين، مشيرا الى ان مؤسسات التقييم الدولية تراقب كل دول العالم وتأخذ المؤشرات لوضع التقييمات، والتي يمكن أن تؤثر على قدرة الدول على الاقتراض والنمو ومواجهة التحديات الأخرى، وبالتالي فإن بعض المؤسسات الدولية قد تسعى لفرض شروطها القاسية على الدول المقترضة، وهي شروط لا مكن أن تكون مقبول، معبراً عن أمله أن لا تصل البحرين إلى هذا الأمر.

وتناول الصالح التحدي المتعلق بالنمو السكاني الكبير، معتبراً أن الأسر الكبيرة والممتدة أصبحت غير خادمة لأغراض التنمية، فعدد أطفال أقل مع العناية بهم أفضل بكثير من عدد كبير دون القدرة على اعاقتهم، إلى جانب ما يستلزم من الحكومة تقديمه للاعداد الكبير من خدمات مختلفة، وهو ما سيؤثر في عملية التنمية بشكل سلبي.

أما التحدي الأخير الذي تناوله رئيس مجلس الشورى، علي بن صالح الصالح، فتمثل في جذب الاستثمارات، وذلك بسبب الظروف الأمنية والسياسية وتزايد خطر الارهاب التي تمر بها المنطقة، مشيراً إلى ان الاستثمار لا ينتعش إلى في حالة من الاستقرار والأمان، منوها إلى ان البحرين ورغم الظروف الصعبة التي مرت بها منذ عام 2011، وبفضل القيادة الحكيمة والتضامن الشعبي تجنبت الكثير من الأمور، بل وظلت ساحة أمن وأمان، على الرغم م بعض الحوادث التي قد تقع هنا وهناك.

وتطرق الصالح إلى ما تحاول بعض أجهزة الإعلام المعادية من ترويجه عن سوء الأوضاع الأمنية في البحرين، وهو ما قد يعطي صورة غير حقيقية، داعيا الإعلاميين إلى التصدي لمثل هذه الحملات وإظهار الصورة الحقيقية للبحرين مدى الأمن والأمان الذي تتمتع به.

وتناول رئيس مجلس الشورى بعض الأرقام المتعلقة بنسبة مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الاجمالي، مشيراً إلى ان تلك المساهمة كان في حدود الـ 25% بين عامي 2012 و2013، مع تراجع طفيف في عام 2014 وصل إلى 23%، أما العام 2015 فقد تراجعت مساهمة القطاع النفطي إلى حوالي 13 % نتيجة الانخفاض الكبير في أسعار النفط عالميا.

وقال الصالح إنه من الخطأ الكبير الاعتماد بشكل أساسي على تمويل الميزانية العامة للدولة من عوائد النفط، سواء في البحرين أو الدول المجاورة والتي تتمتع بوفرات نفطية كبيرة، كون النفط من السلع الاستراتيجية التي لا يمكننا التحكم بأسعارها، بل هي معرضة لحالة العرض والطلب والظروف الاقتصادية العالمية.

وأوضح الصالح ان التوقعات الاقتصادية العالمية تشير إلى ان أسعار النفط لن تعود إلى ما كانت عليه قبل سنتين، بل قد تصل إلى حوالي الـ 60 دولاراً عام 2018.

وقال رئيس مجلس الشورى انه ونظرا لانخفاض مساهمة القطاع النفطي فقد ارتفعت مساهمات القطاعات غير النفطية لتصل لحوالي 87% عام 2015، حيث كانت حوالي 75% بين عامي 2012 و2014، منوها أن هذا الارتفاع غير حقيقي كونه مرتبط بانخفاض مساهمة القطاع النفطي.

واعتبر الصالح أنه رغم عدم صدور البيانات الرسمية للعام 2016، إلا أن المؤشرات ايجابية، حيث ارتفعت نسبة الناتج المحلي الاجمالي من القطاعات النفطية وغير النفطية، نظرا لتحسن أسعار النفط والإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة للتقليل من المصاريف المتكررة، ورغم أنها خطوات بسيطة إلا أن أثرها سيكون واضحا للعيان في المستقبل. متوقعا أن نمو القطاع النفطي بمعدل 2% عام 2016، رغم انخفاض الناتج المحلي الاجمالي وكذلك متوسط دخل الفرد.

واستعرض الصالح مجموع الانفاق الحكومي للدولة عام 2015، والتي كانت بحدود 3.5 مليار دينار، منها 3.115 مصروفات عامة ومصاريف متكررة، و443 مليون دينار مصروفات المشاريع، متوقعا أن يشهد عام 2016 انخفاضا بالمصاريف نظرا للاجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من المصاريف المتكررة، معربا عن أمله ان تكون العجوزات في عامي 2016 و2017 أقل من السنوات السابقة.

وأشار إلى السنة المالية 2015 كانت سيئة للغاية نتيجة انخفاض ايرادات الدولة إلى حدود 2 مليار دينار وعجر وصل إلى 1.5 مليار دينار، معبراً عن املة ان يكون هناك تحسنا في السنوات التالية وأن تقل المصاريف المتكررة وان تستمر عملية التنمية التي تقوم بها الحكومة بما ينعكس على حياة الرفاه للمواطنين.

واستعرض رئيس مجلس الشورى الدين العام للدولة، والذي كان بحدود 7.2 مليار دينار عام 2015، وبفوائد مستحقة تبلغ 270 مليون دينار، متوقعا ان يصل إلى 8.8 مليار عام 2016، و10 مليار نهاية عام 2017. وبفوائد قد تصل إلى 320 مليون دينار، وهو ما سيشكل عبئاً على الميزانية العامة للدول.

وعن رؤيته للخرج من الأزمة الحالية، استعرض رئيس مجلس الشورى عدداً من النقاط تمثلت في؛ ضرورة ترشيد الانفاق وبرمجته بإعطاء الأولوية للمشاريع الضرورية، مشيراً إلى أن هذا التوجه اتخذته العديد من دول العالم التي واجهت نفس المشاكل، كذلك دول الجوار.

ودعا الصالح إلى إعادة هيكلة الدعم الحكومي، مشيراً إلى انه ورغم محدودية الموارد كانت هناك العديد من الخدمات تقدم مجاناً لجميع المواطنين والمقيمين، ومنها الرعاية الصحية والتعليم والإسكان المدعم والسلع المدعومة، والتي يستفيد منها الجميع سواء القادرين أو غير القادرين من مؤسسات وأفراد.

ونوه إلى ضرورة الاهتمام بالمواطن الأقل دخلا، أما المواطن القادر فعليه أن يتحمل كلفة استرداد الدولة للخدمات، نافياً أن تكون هناك مطالبات بفرض ضرائب على المواطنين أو أن تكون لهم مساهمة في الميزانية كما تفعل كثير من دل العالم، مؤكداً ضرورة أن لا يتأثر المستوى المعيشي للمواطن ذو الدخل المحدود.

ودعا الصالح إلى حماية صغار التجار والمؤسسات الصغيرة، معتبراً أنه الأساسي لأي اقتصاد يبحث عن النمو، ولما يساهم به في توفير فرص عمل للشباب، مشيراً إلى ما تقوم به (تمكين) في هذا الاطار، معتبراً أنه من التجارب الناجحة جدا والتي بدأت آثارها تظهر على أرض الواقع.

ورأى رئيس مجلس الشورى ضرورة وضع خطة صارمة تعمل على تخفيض العجز في الميزانية والدين العام، لأن تراكمها عاما بعد عام سيجعل حل المشكلة أصعب بكثير.

واقترح الصالح العمل وبسرعة على تنويع مصادر الدخل من خلال هيكلة الاقتصاد ليبقى في حدود الأمان، وبغض النظر عن التفاوت في أسعار النفط صعودا أو هبوطاً، مشيراً إلى عدد من القطاعات التي يمكن الاستثمار بها مثل التعليم والصحة والتكنولوجيا، كونها قطاعات تخلق فرص عمل للشباب إلى جانب مردودها المرتفع ولا تحتاج إلى مساحات كبيرة من الأراضي.

وأشاد الصالح بالجهد الكبير الذي يوليه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد الأمين، في مجال إدارة الملف الاقتصادي في إطار من الشفافية والحوكمة، مشيرا إلى الادراك العميق من قبل سموه للتحديات والفرص والمتاحة، مشيداً بفريق العمل الذي يعمل ليل نهار لتحقيق الأهداف التنموية وتجاوز المصاعب التي يمر بها الاقتصاد اليوم.

واختتم رئيس مجلس الشورى، حديثه بالتأكيد أن المسؤولية اليوم ليست على طرف دون آخر، وعلى الجميع أن يتعاون كحكومة وسلطة تشريعية وكمواطنين لتجاوز الأزمة، معربا عن تفاؤله بتحقيق إنجازات جيدة إذا تم إدارة الموضوع بكفاءة عالية، مقدما شكره العميق للسلطة الرابعة في مملكة البحرين، والتي اصبح لها تأثير واضح على مسار الأحداث، مبدياً الاستعداد التام للتعاون مع الإعلام الوطني لأنه الحامل لهواجس وأحلام الوطن المواطن.