وضعت المصرية ماجدة مالك يديها على مقود الطائرة العملاقة Boeing 777 التابعة لشركة مصر للطيران وسحبته إلى الخلف، فارتفعت مقدمة الطائرة عن الأرض.

كان هذا يوماً استثنائياً للرحلة رقم MS 985 التي تغادر مطار القاهرة إلى مدينة نيويورك على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، حيث تقودها امرأة لأول مرة.

بدأ شغف ماجدة بالطيران منذ طفولتها بسبب انبهارها بوالدها الذي كان يعمل طياراً في شركة مصر للطيران، كان يحكي لها قصصاً من بلاد العالم التي يذهب إليها بحكم عمله، وشيئاً فشيئاً تيقنت الطفلة الصغيرة أن هذا هو ما تريد أن تفعله أيضاً.

بعد أن أنهت دراستها الثانوية، أخبرت ماجدة أسرتها أنها ترغب بدراسة الطيران، فرفض والدها بشدة، وطلب منها أن تكمل دراستها الجامعية أولاً.

تقول ماجدة لموقع "الحرة" إن والدها "كان يرى ما هو أبعد من السفر واللعب، كان يرى مسؤولية كبيرة، ومجتمعاً لن يتفهم، والنجاح لن يكون سهلاً إذا التحقت بهذا المجال الذي يلخص الحياة في جدول مواعيد الرحلات".

وتضيف أن "الطيران مهنة قصيرة العمر، فإذا أصبحت غير لائقة طبياً في أي وقت أفقد عملي.. لهذا السبب كانت رؤية والدي أن دراسة الطيران وحدها لا تكفي، ولا بد من دراسة شيء آخر أولاً".

التحقت الشابة المصرية بجامعة القاهرة عام 2000 لدراسة إدارة الأعمال، وتخرجت بعد أربعة أعوام لتحاول أن تشق طريقها في هذا المجال، إلا أنها لم تحقق ما تريده، فقررت أن تعود إلى حلمها القديم.

رفضت العائلة من جديد، حتى أن والدة ماجدة كانت تظل بجوار باب المنزل لتمنع ابنتها من الذهاب إلى معهد الطيران المدني لتتقدم بأوراق التحاقها، إلا أن إصرار الشابة المصرية على تحقيق هدفها دفع العائلة إلى الاستجابة والسماح لها بدخول اختبارات المعهد.

"حلة محشي"

نجحت ماجدة في كل الاختبارات وبدأت الدراسة بالفعل. لم يكن المعهد قد استقبل في السنوات الـ10 الأخيرة فتيات لدراسة هذا المجال.

وتنقسم الدراسة في معهد الطيران إلى قسمين، قسم نظري في مقر المعهد بالقاهرة، وقسم عملي في مطار العريش شمال سيناء.

تشرح ماجدة لموقع "الحرة" الصعوبات التي واجهتها في أول أيام التحاقها بالمعهد قائلة "استقبلني المعهد بجملة لن أنساها ولن أنسى قائلها، "تروح تحشيلها حلة محشي".. كانت هناك محاولات لإقناعي بترك "معصية" العمل في الطيران".

لم تستسلم ماجدة لكل هذه الضغوط، وواصلت تحمل التدريبات الشاقة التي وصفتها بأنها "تشبه إلى حد كبير دخول الجيش".

قبل نهاية الدراسة، اكتشف زملاؤها أنها ابنة الطيار مالك بيومي، أحد أعلام الطيران المدني في مصر، وأول نقيب للطيارين المدنيين.

تخرجت الشابة المصرية من معهد الطيران عام 2005 وحصلت على رخصة طيار تجاري، وانتظرت حتى أعلنت شركة مصر للطيران حاجتها إلى طيارين حديثي التخرج، وتقدمت بطلب للحصول على وظيفة.

تقدمت ماجدة وخاضت المنافسة على الوظائف المتاحة والتي تستغرق اختباراتها عاماً كاملاً، إلا أن الحظ لم يحالفها، "لا يمكن أن أصف شعوري حينها، كان مأتماً"، تقول ماجدة.

أعلنت شركة طيران خاصة في الإسكندرية حاجتها إلى طيارين، فتقدمت ماجدة وتم قبولها، وعملت لمدة عامين على طائرة Boeing 777-500.

وفي عام 2008، التحقت ماجدة بشركة مصر للطيران لتعمل على طائرة Boeing 777-800 وهي طائرة متوسطة المدى تطير لمدة ست ساعات من القاهرة إلى دول أوروبا والشرق الأوسط وغرب الهند وطرازها قريب من الطائرة التي عملت عليها في الشركة الأولى.

"لم أشعر بتمييز"

يحتاج الطيار إلى خوض تدريبات كل ستة أشهر لتجديد رخصته، ويجب أن تتوفر لديه معلومات معينة حتى يجتاز الاختبارات المطلوبة.

تقول ماجدة إن "المعايير الدولية لا تضع جنس الطيار في أي تعاملات.. وما يهم المدرب هو اجتياز الاختبارات المطلوبة وعدد ساعات الطيران".

استمرت ماجدة في تطورها داخل مصر للطيران إلى أن جاء دورها في العمل طياراً ثانياً على طراز B777-300 الأكبر في مصر والعابر للمحيطات.

تقول الشابة المصرية "كان هناك واقع قوي داخل الشركة أن هذا الطراز من الصعب أن تصعد عليه امرأة.. لم يكن لدي أمل كبير.. لكن قادتي نصحوني بالعمل وعدم الالتفات إلى الشائعات".

نجحت ماجدة التي تمتلك حالياً أكثر من 4 آلاف ساعة طيران في اجتياز كل الاختبارات، وأصبحت أول مصرية تقود هذا النوع من الطائرات عبر المحيط الأطلسي وصولاً إلى الولايات المتحدة.