في الساعة الـ5:43 مساء 24 أكتوبر 1962 كادت سفينة الشحن اللبنانية Marcula -وهي تبحث عن رزقها بين المشكلات في البحر الكاريبي- أن تقدح شرارة حرب نووية، حين اعترضتها البحرية الأمريكية وفتشتها تطبيقاً لأمر الرئيس كنيدي بفرض الحصار ومنع وصول الصواريخ السوفيتية لكوبا. ولم يكن بالناقلة المستأجرة للسوفيت إلا جرارات زراعية فسمح لها بالمرور. لقد كانت أزمة الصواريخ الكوبية أكبر المواجهات وأقرب أزمة كادت أن تؤدي لقيام الحرب النووية. ورغم أن كنيدي كان رجل بقامة تاريخية من عيار مميز إلا أن رده رغم حزمه لم يكن كافياً، بل جاء لتغطية فشل عملية خليج الخنازير، بل إن ثمن تراجع السوفيت كان سحب واشنطن لصواريخ جوبيتر من إيطاليا وتركيا سراً. والتعهد بعدم غزو كوبا. واعتبر الجنرال كورتيس ليماي الأب الروحي للقيادة الاستراتيجية الجوية أن هذا الحدث هو أسوأ هزيمة في تاريخ أمريكا. بل إن خروتشوف اعتقد أن كنيدي كان ضعيفاً. ومن يومها أصبحت قيادة كنيدي موضع شك.

المنحى الاحتوائي المرن لأزمات الصواريخ يتكرر مع الرؤساء الأمريكيين، رغم أنهم يتحركون في فضاءات مختلفة، لكن الاحتواء المهادن في حال تعرضهم لامتحان قوة كان هو السيناريو المفضل، رغم أنه يجر إلى إشكالية غاية في التعقيد لحلفائهم، فقد غضب أعضاء «الناتو» لأن كنيدي لم يشاورهم.

وفي مطلع فبراير 2017 أطلق الحرس الثوري صاروخاً باليستياً متوسط المدى، فتوعد الرئيس ترامب طهران، معتبراً أن الإيرانيين يلعبون بالنار. وكان العقاب إعلان الخزانة الأمريكية، تجريم عدد من الشركات الإيرانية! مما دفع عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني مجتبى ذو النور للقول إن أي اعتداء عسكري من قبل أمريكا على إيران سيقابل بمثله! ومن بين 36 قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة حدد ذو النور مملكة البحرين كهدف لأن الأسطول الخامس على طرفها!!

وتذكرنا ردة فعل ترامب على صواريخ طهران برده في يوم رأس السنة الجديدة حين قامت كوريا الشمالية باختبار صاروخ «موسودان» العابر للقارات، فرد ترامب «وهو الرئيس المنتخب» في ذلك الوقت بخيلاء أنه سيمنعهم من ضرب الولايات المتحدة. وبعد ستة أسابيع، أطلقت كوريا الشمالية بتحدٍّ صاروخاً آخر، فكان رد فعل السيد ترامب، «وهو الرئيس الفعلي»، الصمت المطبق أمام الكاميرات مع رئيس الوزراء الياباني الذي كان الصاروخ تهديداً لبلاده.

* بالعجمي الفصيح:

لقد كان فشل كنيدي في خليج الخنازير مجهراً لتكبير خطاياه في أزمة الصواريخ الكوبية رغم حسن إدارته لها. مما يدفعنا للقول إن إدارة ترامب لأزمة الصواريخ الإيرانية تؤكد قدوم منحى الاحتواء الناعم مع صواريخ طهران القادمة في الخليج العربي. ومن يجادل في ذلك فعليه ذكر ما فعلته إدارة ترامب حين أعلن مسؤول عسكري إيراني الخميس الماضي 9 مارس 2017 أن بلاده نجحت في إطلاق صاروخ باليستي في بحر عمان متحدية المجتمع الدولي وإدارة ترامب.