قبل الشروع بالموضوع لا بد من التذكير بما قاله الجنرال غورو صانع لبنان الكبير: «لبنان بلد غير قادر على حكم نفسه». فلبنان هو بلد التسويات دائماً في كل صغيرة وكبيرة، شأنه أشبه بطفل الأنبوب الذي يحتاج إلى رعاية دائمة.

تسوية إقليمية ما وبموافقة دولية، هذه الرعاية هي التي أوصلت العماد عون إلى قصر بعبدا وجعلت من الحريري رئيساً للحكومة.

وبدأ العهد الجديد للبنان، هذا العهد لم يستطع حتى كتابة هذه السطور تحقيق أي مطلب أو إنجاز ينتظره الشعب اللبناني سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. بل على العكس فالطائفية بتزايد مخيف وكيف لا إذا كان رئيس الجمهورية يتحدث ويبحث كيف يمكن للمسيحيين أن ينتخبوا نوابهم!

أليس الأجدى أن يتم البحث عن قانون انتخابي عادل يسجل لرئيس الجمهورية عوضاً عن البحث في زواريب الطائفية اللبنانية البشعة! فعندما ينتخب المسلم نائباً مسيحياً أليس في ذلك احترام للشراكة الوطنية وما ينطبق على الناخب المسلم ينطبق أيضاً على النائب المسيحي. وأعتقد أن الغالبية من اللبنانيين تريد هذه الشراكة الوطنية، هذه الشراكة التي جعلت من المسلم اللبناني مواطناً مختلفاً عن أي مواطن مسلم آخر في العالم الإسلامي ثقافياً واجتماعياً وكذلك جعلت من المواطن المسيحي، مواطناً مختلفاً عن أي مواطن مسيحي من الدول ذات الغالبية المسيحية أيضاً ثقافياً واجتماعياً.

أمام هذا الواقع نحن أمام عدة حقائق:

الحقيقة الأولى التي باتت نهائية هي أن ميثاق 1943 الذي أسس لصيغة التعايش المسيحي - الإسلامي حتى العام 1975 سقط إلى غير رجعة. أما ميثاق الطائف الذي حول رئيس الجمهورية من رئيس للسلطة التنفيذية بصلاحيات واسعة، إلى رئيس للدولة بصلاحيات محدودة، فإنه معطل منذ ولادته في العام 1989.

الأزمات التي رافقت تطبيق الطائف، على مدى ربع قرن تقريباً، والتي تتجدد مع كل تشكيلة حكومية وكل انتخابات رئاسية، هي الدليل القاطع على العطل الذي أصابه منذ ولادته، واليوم يترسخ اقتناع مفاده أن الصيغة الميثاقية معطلة، وأن الحرب الأهلية التي بدأت في العام 1975، لم تنتهِ بعد.

وأخيراً القضية في لبنان ليست قانون انتخاب جديد أو إقرار سلسلة أو إضافة ضرائب أو وقف هدر من هنا أو فساد من هناك، أسمح لنفسي أن أقول إننا في لبنان محكومون من أشخاص إن اختلفوا دمروا الزرع وإن اتفقوا أكلوا الزرع.