اليوم سوف نتناول موقف الإدارات الأمريكية السابقة واللاحقة من الأزمة السورية، وهل أن إدارة دونالد ترامب عازمة على التعامل بصدق مع تلك الأزمة وإنهاء فصولها الدموية وإسقاط النظام السوري المتهرئ؟ أم أن ما يحدث من تصعيد دبلوماسي وعسكري هو مناورة سياسية؟

وحقيقة الأمر أن دولة عظمى مثل أمريكا ليس لها حاجة بالمراوغة ومبدأ التقية لأن مصالحها العليا هي من ترسم سياستها ولا تسيرها العاطفة والربت على الأكتاف أو إرضاء طرف بعينه على حساب الآخر، وهذا ما يتوهمه الكثير ويجعله يلهث مهرولاً وراءها مستجدياً رضاها ثم ما يلبث أن يجد نفسه مكبلاً بشباكها.

إن العالم بأسره مندهش من الموقف السلبي من تلك الأزمة ومنذ اندلاعها وإن إحجام الإدارة الأمريكية السابقة عن أن يكون لها موقف واضح من ذلك النظام الدموي أفسح المجال لإيران وميليشياتها ثم روسيا وتركيا بأن يأخذ كل طرف منهم موقعه متخذين من محاربة الإرهاب شماعة مفضوحة لفرض واقع مرير!!

فهل أن إدارة أوباما كان لا يعنيها حقاً الشأن السوري كونها قد أثخنت جراحاً في العراق وأفغانستان في عهد الجمهوريين وفضلت عدم توريط جندها بعد في محرقة سوريا؟

أم أن أمريكا تعمدت التغافل وفتحت أبواب سوريا على مصراعيها لتوريط خصومها ثم الانقضاض عليهم لاحقاً؟

أم أنها جعلت من أرض سوريا مركزاً لتجمع ثم محرقة للمجاميع الإرهابية؟ وهي غير آبهة بما تحصده الآلة العسكرية لجميع الأطراف المتناحرة وما يقدم من قرابين من المدنيين والدمار الذي يخلفه ذلك الصراع!!

أم أنها دفعت وباتفاق مسبق من ينوب عنها بالقتال ومنعت إسقاط النظام البعثي هنالك فلا يوجد أفضل منه في الوقت الحالي في حفظ أمن الكيان الصهيوني؟

حقيقة الأمر أن كل ما سطرناه في أعلاه وارد في السياسة الأمريكية.

ولو لم يعلم بشار ونظامه وجميع القوى المتدفقة على الأرض السورية الموافقة المبطنة للإدارة الأمريكية لما تجرأ أحدهم أن يطأ أرضها أو يثير طلقة واحدة في ربوعها.

وما يثير الاستغراب والاستهجان حقاً من ساسة الإدارة الأمريكية أنها تبارك وبسكوتها كل أنواع القتل والتدمير وانتهاك حقوق الإنسان ولا تنتفض وتستنكر إلا عند استخدام الأسلحة الكيميائية والغازات السامة!!

وكأن القتل الذي يستوجب التحرك الدولي والإدانة هو فقط عند استخدام السلاح الكيميائي أما غيره من أسلحة القتل فهي مرخصة وقتلها رحيم!!

لقد سجلت فرق الكشف الأممية وتسرب للعالم أن نظام الطاغية بشار الأسد استخدم ذلك السلاح ضد شعبه على نطاق واسع مرتين، أحدهما في عهد أوباما في منطقة الغوطة في 21 أغسطس 2013، وذهب ضحيته المئات، والآخر في خان شيخون في محافظة إدلب في 4 أبريل 2017، والحقيقة التي يتستر عليها الغرب والروس معاً وكشفت عنها منظمة حقوق الإنسان السورية أن ذلك النظام المجرم استخدم الأسلحة المحرمة دولياً لما يزيد عن 50 مرة!!

لكن الذي اختلف وأعطى أملاً بقرب إزاحة ذلك النظام من قبل الفريق الذي يعول على إدارة ترامب هو تحركها هذه المرة سريعاً بعد هجوم خان شيخون المروع من خلال القيام بعمل عسكري فوري فأطلقت بعد ثلاثة أيام من الجريمة 59 صاروخاً توماهوك استهدف مطار وقاعدة الشعيرات، ورغم أنها كانت ذات تأثير محدود لكنها للمرة الأولى قد تجاوزت الطريق الملتوي بالإدانات، وكان بإمكان تلك الصواريخ لو أنها وجهت توجيهاً صحيحاً لغيرت المعادلة تماماً ولأرسلت درساً بليغاً للنظام وأعوانه بضرورة حزم أمتعتهم ومغادرة ذلك البلد قبل أن يتكرر مع طاغيتهم سيناريو العراق وليبيا!

ومع ذلك يعتبر ذلك التحرك الأمريكي تغييراً ملحوظاً في موقفه.. لكن لا نعلم هل أن هذا الرد جاء لحفظ ماء الوجه للإدارة الأمريكية الجديدة والتغطية على مجازرها بحق المدنيين الذين فاق عددهم الآلاف في الموصل؟ أم أنه سيناريو أمريكي جديد يعد للملف السوري؟ وقد تكون مجزرة خان شيخون عملاً مفبركاً له غايات عديدة والأيام القادمة ستكشف صدق أو زيف توجهات ترامب؟

لكن دعونا نترقب ولا نقلل من شأن ذلك التصعيد العسكري الأمريكي، فالأيام القادمة حبلى بما تحمله من مفاجآت وإن غداً لناظره قريب.. وللحديث بقية مع ملف شرق أوسطي آخر.