واشنطن - (أ ف ب): شهدت الايام المئة الاولى للرئيس الامريكي دونالد ترامب نكسات مدوية في الكونغرس وتقلبات في مواقفه السياسية في مختلف المجالات، إلا أنه تعلم الكثير خلال هذه الايام. ورغم أن ترامب أظهر قدرة على التغيير سواء في لهجته أو في مواقفه، إلا أنه لم يوفق في تقديم رؤية واضحة لسياسته الخارجية. ومع اقتراب فترة المئة يوم في السلطة التي تحمل مغزى رمزياً لأي رئيس امريكي جديد، فإن رجل الاعمال الملياردير ترامب على وشك أن يدرك حقيقة صعبة وقاسية بعد أن وعد الامريكيين بأن يحقق الفوز لهم في كل المجالات. في هذه المرحلة من رئاسته فإن ترامب هو أقل رئيس امريكي شعبية في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر "حتى ولو أن انصاره المتشددين لا زالوا يؤيدونه بشدة". ولا يزال ترامب "70 عاما" الذي أثار فوزه في الانتخابات صدمة في العالم، متمسكا بسياسته غير المتوقعة واسلوبه الارتجالي الذي جعل منه رجل اعمال ناجحا في قطاع العقارات ونجم تلفزيون الواقع. ولكن يبدو أن هذا الرئيس الذي كان معاديا للمؤسسة السياسية اثناء ترشحه للرئاسة ووعد "بتجفيف المستنقع" في واشنطن، ادرك الان أنه يتولى إحدى أصعب الوظائف في العالم. فخلال أسابيعه الاولى في الرئاسة عانى من ضربات موجعة بعد أن علقت المحاكم الفيدرالية قراره بحظر السفر، كما لم يتمكن الكونغرس من التحرك بشأن اصلاحات الرعاية الصحية. وقال ترامب خلال جهوده لالغاء واستبدال برنامج "اوباماكير" للرعاية الصحية الذي ميز رئاسة سلفه باراك اوباما "لم يكن أحد يعلم أن الرعاية الصحية بهذا التعقيد". وبعد محادثات مع الرئيس الصيني شي جينبينغ حول كوريا الشمالية قال ترامب "بعد الاستماع لمدة 10 دقائق أدركت أن الامر ليس سهلا".

إن متطلبات المكتب البيضاوي والقيود المفروضة التي تجعل كل كلمة تنطق فيه تُحسب على صاحبها، تختلف تماما عن الخطابات اليومية التي ادلى بها ترامب خلال حملته الانتخابية. ممن يطلب النصيحة؟ ونصيحة من يتبع؟ ما هي نوع العلاقة التي يجب أن يقيمها مع الكونغرس رغم أن الجمهوريين من حزبه يسيطرون عليه اسميا؟ ما هو المجال الذي يمكن أن يتيحه لوزاري الخارجية والدفاع القويتين؟ لقد قالها كل من سبقه إلى المنصب: إن الانتقال الى البيت الابيض في 1600 شارع بنسلفانيا يتسبب في صدمة كاملة للرئيس الجديد. صرح جورج دبليو بوش مؤخرا "شيء ما في وظيفة الرئيس يواجهه كل من يتولى هذا المنصب: انت تفكر بطريقة معينة وقت دخولك الى هناك وبعد ذلك تدرك أن ضغوط الوظيفة وواقع العالم مختلف عما كنت تعتقد". وباستثناء روتينه الذي لا يتغير بارسال التغريدات كل صباح والتي عادة ما تتأثر بالاخبار التي تبثها شبكة فوكس نيوز، يمكن القول أن ترامب تغير. ففي اختياره لأعضاء فريقه، يبدو أن "سمات الرئاسة" بدأت تحل على ترامب ولكن ببطء. وترامب الذي لم يتولى أي منصب سياسي أو دبلوماسي في حياته وليست لديه أية خبرة عسكرية قبل أن يتولى أهم منصب في الولايات المتحدة، يقول أن اسلوبه المتغير ناجح. واوضح "انا اتغير وانا مرن، أنا فخور بمرونتي"، وذلك قبل لحظات من منحه الاذن بشن ضربات ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد بعد اتهام واشنطن له بشن هجوم كيميائي على مدنيين. وبالنسبة للصين وروسيا وحلف شمال الاطلسي، فقد غير ترامب رأيه وهو ما طمأن الامريكيين وعدد من حلفاء واشنطن. قالت صحيفة "واشنطن بوست" في مقال افتتاحي مذكرة القراء بلهجة ترامب القاسية والقاتمة في خطاب تنصيبه "عندما ينتقل رئيس من كونه مخطئا تماما إلى كونه محقاً تماما بشأن مسائل مهمة، فإن الرد المنطقي ليس انتقاده ولكن الاحتفال بذلك ولكن بحذر". إلا أن اسلوبه ينطوي على مخاطر. فمن سوريا إلى كوريا الشمالية ما هي مخاطر جر الولايات المتحدة إلى نزاع عسكري لا يمكن التكهن بنتيجته، وهو الوضع الذي حذر منه ترامب اثناء حملته الانتخابية؟ كيف سيرد الرئيس الجمهوري إذا وقع هجوم ارهابي على الاراضي الامريكية كما حدث في 11 سبتمبر؟

إن اسلوب ترامب وشخصيته يكشفان أنه لن يكون كأي من رؤساء الولايات المتحدة السابقين. وفي مقابلة مقلقة مع مجلة "تايم" في مارس الماضي دافع فيها ترامب عن تصريحاته المثيرة للجدل والخاطئة قائلا "ماذا اقول لك؟ عادة ما أكون مصيبا". وبعد ثلاثة أشهر من توليه الرئاسة فان العديد من منتقدي ترامب لا زالوا يتفقون مع وصف الكاتب فيليب روث له في مجلة "ذا نيويوركر" في اواخر يناير. كما تحوم التساؤلات حول العديد من محاور سياسة ترامب حول تعريفه الفضفاض جدا لـ "الترامبية" التي تدور حول شعاره الواسع "امريكا أولا" الذي هو في الظاهر فكرة بسيطة ولكن يصعب تفسيرها. ولم تساعد الخلافات داخل البيت الابيض الرئيس الجديد في التحرك نحو تقديم رؤية للامد الطويل. فمن بين مجموعة تشتمل على المحافظ المتشدد ستيف بانون، يبرز أمر مهم وهو وضع عائلته في البيت الابيض خاصة ابنته ايفانكا وزوجها جاريد كوشنر. اما النجاح الابرز الذي حققه ترامب حتى الان في أيامه المئة الاولى فهو تعيين القاضي الفيدرالي المحافظ نيل غورستش في المحكمة العليا. وترامب يعلم أنه لا يستطيع عرض العديد من الانجازات التي حققها خلال هذه الفترة، وانتقد في تغريدة "المعيار السخيف للانجازات في أول مئة يوم"، رغم أن أحد اعضاء فريقه قال مرارا أن هذا المعيار مهم. ولا تزال امام ترامب، الذي يتحدث عن احتمال الترشح لاعادة انتخابه، اكثر من 1300 يوم في الرئاسة.