حدث فارق، يحصل للمرة الأولى، ذلك الذي استضافته الرياض الخميس الماضي، وجمع فيه تحت مظلة مجلس التعاون الخليج 18 وزيراً يمثلون دول المجلس الست، بواقع ثلاثة وزراء عن كل دولة، يمثلون وزارات الداخلية والخارجية والدفاع.

هذا الاجتماع الوزاري الثلاثي بتركيبته المبينة، مثل بحد ذاته «مادة» غنية للبحث ومعرفة مزيد من التفاصيل، خاصة للأطراف الدولية، سواء من حلفاء وأصدقاء دول المجلس الست، أو حتى أعداء الدول والمتربصين بهم.

لماذا يجتمع وزراء الداخلية والخارجية والدفاع في جميع دول الخليج معاً وعلى طاولة واحدة؟!

الاجتماع الثلاثي بحد ذاته «رسالة» صريحة وواضحة، تتمثل بأن وحدة دول مجلس التعاون الخليجي راسخة، وفي كافة المنظومات المختلفة التي يعززها العمل المشترك، فإن كنت تتحدث عن مستوى القمة، فأصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس صفهم واحد وكلمتهم واحدة، وهذا أمر نحمد الله عليه كمواطنين خليجيين، فهي ميزة نحسد عليها، إذ قلما تجد تكتلات إقليمية فيها من وحدة الصف والقواسم المشتركة ما يقارب لما تملكه دول الخليج العربي.

وحدة العمل المشترك بين الدول الست تتشعب من تحت المجلس الأعلى، فكل ملف يخطر على بالك كمواطن خليجي، ستجد أن حراكه الخليجي مترجم من خلال اللجان المشتركة في المجلس، وعلى امتداد العام ستجد حزمة من الاجتماعات سواء الوزارية أو تلك المعنية بالوكلاء أو اللجان الفنية تعمل باجتهاد لتضيف أجزاء جديدة لجدار الصف الخليجي الواحد.

لكن يبرز الاجتماع الثلاثي كأبرز حدث في إطار العمل الخليجي المشترك في مطلع هذا العام، خاصة وأن يأتي برئاسة كريمة من الأمير محمد بن نايف ولي عهد الشقيقة السعودية، ويجمع على طاولة واحدة وزراء الداخلية والخارجية والدفاع، ويطرق محاور هامة ملحة معنية بالأمن الخليجي الموحد ومواجهة التهديدات الإرهابية التي باتت معلنة بشكل مكشوف ومفضوح وتستهدف أمن الخليج، أي أمنك يا مواطن، سواء كنت في أي دولة من منظومة دول المجلس.

وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة الذي ترأس وفد مملكة البحرين، عبر عن موقف بلادنا عما يحصل بشأن ملف الإرهاب بكلمة قوية كانت بداية انطلاقة التباحث بعد الكلمة الافتتاحية لولي العهد السعودي، خاصة بالنظر لتسميتها الأمور باسمها وأننا كدول خليجية بحاجة لحراك سريع وفاعل يتصدى للإرهاب الذي يستهدفنا، والذي معه لا يمكن السكوت.

«مازلنا نواجه تهديدات خطيرة تنطلق من الأراضي الإيرانية والعراقية وتشكل دعماً للمجموعات الإرهابية والأنشطة الإجرامية والحملات الإعلامية المعادية، وهو ما يمثل تحديا يفرض التعامل معه بمختلف الوسائل المتاحة وبشكل جماعي ورؤية موحدة»، هذه جملة وزيرنا، والتي فيها تحديد لمصدر الإرهاب والأعمال الآثمة التي تستهدف دول الخليج، ونعني بها إيران، والتي إن كانت في السابق تحاول «التعتيم» على ما تقوم به من احتضان للإرهاب وتصديره، وتدريب للخونة، وتجنيد للعملاء، فإنها اليوم تلعب بوجه مكشوف وفاضح، ولا تتردد في خطابها الإعلامي «الخبيث» الذي يستهدف دول الخليج العربي، خاصة وأنها وأذيالها وعملائها خاضوا في الدم العربي وشربوا منه، وأعني هنا ما فعلوه بإجرامهم في سوريا.

الاجتماعي الثلاثي يمضي ليؤكد على قدرة دول الخليج العسكرية، وعلى التنسيق عالي المستوى القائم بين الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، إضافة لتنسيق التحركات الدبلوماسية الخارجية وخطابها الموجه للغرب.

الرسالة واضحة وضوح الشمس، قد لا ننتبه لها نحن أهل الخليج، لكنها وصلت مدى بعيداً، واستجلبت ردود فعل متباينة من قبل الغرب، فما حصل ليس اجتماعاً وزاريا يقتصر على وزراء يمثلون نفس الحقيبة فقط، بل اجتماع بين ثلاث حقائب و18 وزيراً، وزارات سيادية وتمثل ترسانة القوة في دول الخليج العربي، وفوق ذلك كله، هو اجتماع في الرياض، قلب المملكة العربية السعودية، عمقنا الاستراتيجي القوي.

الرسالة بالغة القوة، ستجدون وقع صداها عبر ردات فعل الأعداء وصراخهم وعويلهم، لكن بعد أن يفيقوا من هول الصدمة.

حفظ الله الخليج العربي دولاً وحكاماً وشعوباً، ورد كيد الكائدين لهم في نحورهم.