«1» تختلط المشاعر والأحاسيس عندما تجلس على مقعدك لتخط حروف الحب التي تتواصل بها مع الآخرين.. تختلط لأنك قد اعتدت أن تبحث عن مكنون روح المواقف التي تمر بك لتبثها إلى مساحات الحب التي تتبادل همساتها مع غيرك.. تختلط لأن مواقف الحياة المعقدة تفرض عليك أن تتمثل بروح شفافة تعانق الخير في كل حين، فتضطر معها أن تختار بدقة كل إحساس يفهمه كل من يقرأ حروفك.. إنك اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى أن تتمازج مشاعرك مع أحوال الأيام، وتحاول معها أن تشهد نتاج كل موقف يمر عليك حتى تستطيع أن تحاكيه في مساحات نفسك.. هي صورة قاتمة قد لا يفهمها البعض.. ولكن الأهم أن يفهمها صاحب الأحاسيس المرهفة الذي اعتاد أن يكون بجانبك، ويبرمج نفسه مع منظومة التغيير الكونية، ليكون مؤهلاً لأداء رسالة خدمة الكون بكل اقتدار.. معذرة فالقلم أحياناً يبث فكرته بلوحة ممزوجة بألوان الحياة المتشابكة، لا يفهمها إلا من عرف المعنى الحقيقي لوجوده على هذه البسيطة.

«2» بالأمس القريب التقت إحدى القريبات وهي تترنم بالعبادة في فناء المسجد الحرام وأمام بيت الله بفتاة شابة من غزة الصامدة.. ودار حوار أليم، تقول هذه الفتاة: جئت من غزة لأداء مناسك العمرة، حضرت هنا مع عمي الذي خرج مؤخراً من سجون الاحتلال بعد سجن دام 25 عاماً، ومع الأسف خرج مقعداً لا يستطيع الحراك على كرسي متحرك.. جئت مع عمي بدلاً من والدي ووالدتي اللذين استشهدا في إحدى الغارات الصهيونية على غزة.. حيث جاء دورهما للعمرة بعد انتظار دام عشر سنوات.. خرجت من غزة إلى الأردن عن طريق الباص لمدة أربعة أيام، وأتينا هنا إلى مكة عن طريق حملة أردنية بالباص.. ننام هنا في الحرم لعدم توفر المبلغ الكافي للحصول على المسكن.. وقد قطعنا عهداً أن نصوم طيلة أيام وجودنا في العمرة، ونفطر على الزيتون الذي أحضرناه معنا وماء زمزم.. انتهى كلامها. هذا المشهد البليغ والكلام المؤثر ينبهنا إلى أهمية شكر المولى الكريم للنعم التي أنعم بها علينا.. ونعيش حياة خالية من الإسراف.

«3» بينما كنت أبحث عن بعض مقاطع الفيديو، استوقفني في أحد اللقاءات القديمة سؤال مذيعة تلفزيون البحرين للدكتور هشام الشيخ مؤلف كتاب «عيسى بن محمد.. قصة نجاح وشمس إصلاح»: لقد قمت بتأليف الكتاب وطباعته في حياة الشيخ عيسى بن محمد رحمه الله، فهل نحن بحاجة إلى أن يختار الله رموز البحرين حتى نقوم بتأليف الكتب أو تخليد إنجازاتهم وهم على قيد الحياة؟ فأجاب: «هذا توفيق من الله تعالى أن وفقنا أن نفرح الشيخ عيسى وهو في حياته، وشهادة أعتز بها من أبناء الشيخ، فبعد وفاته رحمه الله شكروني على الكتاب، وأخبروني بأنه رحمه الله كان سعيداً جداً بكتابة سيرته وهو على قيد الحياة». تبقى شخصية عيسى بن محمد رحمه الله بإنجازاته وعطائه الوطني شخصية فذة ستتذكرها الأجيال، ويبقى رفيق دربه قاسم بن يوسف الشيخ رحمه الله «مدرسة حياة» نستلهم منها العظات لتربية نفوسنا المقصرة.. وما أجمل أن يوفق المرء لكي يجمع أو يعد أو يقرأ أو يصاحب الأفذاذ والقامات الكبار في مسيرة الخير والعطاء في هذا الوطن الحبيب.. فهو يربي نفسه ويكون له الحافز الكبير ليقتحم أبواب النجاح حتى الرمق الأخير من حياته.. نحتاج أن نسطر قصص نجاح الأفذاذ ممن خدموا الوطن بكل نفس من أنفاس حياتهم، فهم القدوة الشامخة في حياة الأجيال.. فنكتب عنهم ويكتب كل من جمعته معهم أجمل الذكريات، قبل أن يأتي يوم تنمحي منه ذكريات العطاء.

«4» في حياة تسيطر عليها الأجواء الإلكترونية المملة وصخبها المزعج الذي حول فلذات أكبادنا إلى فريسة سائغة للبلادة الفكرية والإنتاج العقيم في مناحي الحياة.. باتت الحاجة ماسة لإيجاد محاضن لتنمية مواهب الأبناء الفذة وتوفير البيئة الخصبة لتطويرها.. ولفت نظري في مؤتمر الطفولة الذي احتضن بعض مواهب الأطفال، الطفل اللبناني أحمد البالغ من العمر 12 سنة والذي يطلق عليه «عبقرينو».. فقد برز أحمد في الحساب الذهني وشارك في مسابقة في الولايات المتحدة وأحرز من خلالها المركز الأول من بين 25 دولة مشاركة، كما حصل على عدة جوائز محلية وخارجية. أما الطفل المغربي وهو في نفس العمر فقد برز في تلاوة القرآن الكريم، فقد حفظ القرآن الكريم كاملاً ويقرؤه برواية ورش بصوت شذي.. كما برز في الإنشاد ويتكلم بلغة عربية فصحى، كما يحب القراءة وأنهى قراءة العديد من كتب السيرة النبوية ومنها كتاب «الرحيق المختوم للمباركفوري».. والأجمل من ذلك أن المؤتمر استضاف مواهب من غزة على الهواء مباشرة لفتيات أعمارهن 15 سنة يقدمن برامج حوارية في قناة فضائية في غزة.. بالفعل تبزغ المواهب من بيئات تواجه تحديات عصيبة في حياتها.. وكم نتمنى أن نهيئ الظروف لأبنائنا لكي تنطلق خيالاتهم في سماء المواهب والإبداع.. نحتاج إلى مراكز متخصصة ومناهج مدروسة لتنمية المواهب.. واستخراج المواهب المدفونة في نفوس الأبناء والتي لا يستطيع الآباء إبرازها في بيئات تنصدم بالواقع الإلكتروني الرهيب..

«5» هل فكر الواحد منا أن يراجع «طبائع نفسه» ويتريث في التقدم للأمام لأنه لم يعد مؤهلاً لمواصلة المسير؟ يحدثني أحدهم أن جيل اليوم «كنظرة عامة» غير قادر على تحمل المسؤولية الاجتماعية والتحاور مع المجتمع، فهو يعاني من «انعدام السنع في الطبائع» ومن خلل في معالجة «أمراض القلوب» ومن همة فاترة وكسل في تأدية مهام الحياة.. نحتاج لمراجعة طبائع النفوس.. نفوسنا نحن.. ومن ثم تغيير نفوس أجيال مقبلة على تحديات حياتية كبيرة.

* ومضة أمل:

جميل أن تتشارك مع أصحاب الأثر الجميل في كتابة رسائل حب مؤثرة.. ستؤتي أكلها ولو بعد حين.