في كل شيء، تجد أصحاب السمات الواحدة يتقاربون، قد لا يخططون لذلك، لكن هناك حالة جذب، مبرراتها قد لا تكون مفهومة في البداية، لكن في الأخير يتضح بأن القواسم المشتركة تجمع بين الكثيرين.

هنا يبدأ التصنيف في مسألة «التقارب» هذه، فهناك من يجتمعون على أمور إيجابية، وهناك من يجتمعون على نقيضها.

في كافة التقسيمات، تجدون أضداداً لا يلتقون، وتجدون أقطاباً متشابهة يتشكلون معا في جماعات وفئات وحتى ثنائيات، فقط تجمعهم هذه القواسم.

لذلك حينما يقال بأن «الطيور على أشكالها تقع»، هي ليست مقولة ذات مغزى سلبي، إن عمدنا لتفنيد عملية «الوقوع» هذه المعنية بـ «التقارب» و«التلاقي».

الإنسان بطبيعته مخلوق اجتماعي، يرنو للتجمعات والانخراط في مجموعات، والحالات النادرة الشاذة، تلك التي توصف بـ «المنعزلين» أو «المنطويين»، والذين إن بحثت وسبرت دواخلهم، تجد أن مبررات العزلة هذه، إما تركيبة جينية وراثية غير صحية، أو ردات فعل ناجمة عن أحداث وصدمات، وهناك طبعاً من يؤثر أن ينعزل ويبتعد عن البشر، وفق قناعة ترسخت لديه بناء على التجارب، أن القرب منهم يضر ولا يفيد.

عموماً، حينما تقع الطيور ذات الشكل الواحد على بعضها وتتقارب، تجد أن هناك هدفاً واحداً يجمعها، ويجذبها لبعضها البعض، وغالباً ما يكون الاتفاق بين الأشخاص مبنياً على هدف مشترك يراد تحقيقه.

الآن ترجموها على الواقع، إذ ما الذي يجمعك مع فلان وعلان في إطار رباط يسمى «الصداقة»؟! وما الذي يجمع هذا الحزب وذاك في إطار رباط يسمى «التحالف»؟! وما الذي يجمع تلك الدولة ونظيرتها وقد تكون دول أخرى في منظومات تسمى «اتحادات» أو «مجالس»؟!

هي الأهداف المشتركة، والتي قد تتفرع لأهداف صغيرة، لكن يربط بينها الهدف العام، وقد لا تتفق هذه الأطراف التي «تقع» على بعضها البعض في أهداف متفرعة هنا وهناك، لكن يقوي تحالفها «الهدف الرئيس» الذي تعمل من أجله.

ولأن مجتمعاتنا باتت مغموسة بمظاهر وممارسات تحسب على ظواهر أشد وقعاً من أخرى، وأعني بها الجوانب السياسية والإدارية والأزمات المالية، فإن إسقاط ما نقوله على الجانب المجتمعي قد يكون حديثاً مستهلكاً، خاصة إن أردنا تعريف الممارسات الإنسانية المبنية على تلاقي السمات.

لكن إسقاط ذلك على الجوانب الأهم، هي التي تكشف لنا مدى خطورة بعض التحالفات، وكيف أن هناك أهدافاً قد تجمع «أضداداً» في الفكر والتوجه، فقط لأن الهدف مشترك، فإن الاختلافات تختفي أو تجمد بشكل مؤقت، حتى تحين لحظة التقسيم وتوزيع الغنائم.

مثلاً، التحالف السياسية المبنية بين فئات لها هدف محدد، مثلما حصل في البحرين حينما تجمع الانقلابيون على هدف واحد يستهدف إسقاط النظام واختطاف الدولة، رأينا كيف كان هناك «تقارب مسخ» بين تيارات يسارية لا دينية علمانية شيوعية في تفكيرها وإيمانها، مع تيارات دينية طائفية متشددة، في عرف الأخيرة يكون المعسكر الأول ضمن خانة «الملحدين» وحتى «الكفار». لكن الوضع الغريب كان حينما كشف لنا مدعي التدين أن الدين لديهم وسيلة لا غاية، فقبلوا بأن يتعاملوا مع اللادينيين، والعكس صحيح حين قبل اليسار الذي بعضه يجاهر بضديته للدين وأحكامه، حين قبل بأن يضع يده بيد من يأتمر بأمر ولي فقيه ومرشد إيراني ويصنف الناس بين «معسكرين حسيني ويزيدي»، فقط لأن الهدف مشترك هنا، وهو استهداف الدولة.

هنا الطيور بل «غربان الكراهية» على أشكالها تقع، ووقوع هؤلاء على بعضهم كان بسبب الاتفاق على هدف اختطاف البحرين، لكن بفضل الله كانت البحرين هي صاحبة الكلمة الفصل لـ «يقع» هؤلاء في فشل ذريع مازالوا يستميتون للإفاقة منه.

هذا سياسيا، أما إدارياً وفيما يدخل في الفساد الإداري والاستهتار المالي، لن تجد مصيبة في أي قطاع على هذه الشاكلة، إلا حينما تقع «الطيور الفاسدة» على بعضها البعض، إلا حينما يتفق أصحاب الضمائر الميتة على هدف واحد معني بالقطاع يركز على نهبه ونشله واستغلاله لمكاسب ومصالح شخصية.

المدن الفاضلة لا تقوم إلا على طيور نظيفة تتلاقى وتتقارب وتعمل على بعض، الدول الصلبة القوية لا يتعاظم ثباتها إلا حينما تتلاقى الطيور الوطنية مع بضعها لتكون سدا منيعا أمام غربان الشر والكراهية.

وصدق القول الشهير «كل إناء بما فيه ينضح»، إذ مضامين تلك الأواني هي التي تكشف لك كيف تلاقت هذه الطيور وكيف وقعت على بعضها البعض.