زهراء حبيب

فتحت صحيفة "الوطن" مؤخراً ملف قضايا العضل، التي تجبر المرأة البحرينية على رفعها ضد ولي أمرها بعد أن تبلغ سن الرشد لكنها ليست حرة باختيار الزوج أو الموافقة على الزواج بمن ترضاه شريك حياتها، والكلمة الأخيرة لوليها، حيث تلجأ المرأة لقاضي المحاكم الشرعية لإنصافها من سطوة أهلها ورفضهم القاطع لتزويجها لأسباب غير مقنعة في بعض الحالات، لتنال حقها في أن يكون لها الحق بالاختيار والموافقة.

وهناك إحدى القصص نظرتها المحاكم الشرعية السنية لشابة بحرينية طرقت أبواب الحلول الودية مع شقيقها وجدها بعد أن انتقلت الولاية لهما لوفاة والدها، لإقناعهما بزواجها بشاب كفء طوال 8 سنوات مضت لرفضهما للشاب بسبب اختلافهما بالمذهب، وفي نهاية المطاف اضطرت لعضل وليي أمرها لتزويجها من قبل القاضي.


القضية المرفوعة من قبل الشابة البحرينية "28" ذات المكانة الاجتماعية والمهنية المرموقة، رفضت من قبل محكمة أول درجة، لكنها لم تيأس وأكملت مشوار نضالها لتنال حقها بالزواج بشاب بحريني يشغل وظيفة مرموقة وكفء وحسن الخلق، فطعنت على الحكم أمام محكمة الاستئناف العليا الشرعية السنية التي أنصفتها وقضت بتزويجها لاتحادهما بالدين.

وتسرد منار التميمي -محامية الشابة البحرينية- تفاصيل القصة التي عاشتها الشابة البحرينية البالغة الرشيدة والحاصلة على شهادة بكالوريوس في إدارة الأعمال وتعمل بوظيفة مرموقة في إحدى الوزارات الحكومية، وتوفي والدها عام 2014 وترك خلفه وليين على المستأنفة هُما جدها لوالدها وشقيقها، غير أن الأخيرين يصران على رفض تزويج المستأنفة من المتقدم لخطبتها البالغ من العمر (30 سنة) الكامل الأهلية العاقل الرشيد الذي لم يسبق له الزواج على الرغم من أنه أهل للزواج من المستأنفة من حيث المستوى العلمي والوظيفي، إذ يعمل بوظيفة مرموقة وحسن السيرة والسلوك ويتمتع باللياقة الطبية.

وتضيف بأن المتقدم لخطبتها كان زميلها على مقاعد الدراسة بالجامعة، واستمرت العلاقة الشريفة بينها أكثر من 8 سنوات، وهما يحاولان إقناع الوليين ولكن استنفدت المستأنفة كل الحلول الودية. وأكدت التميمي أن رفض وليي المستأنفة على الترتيب الجد ثم الأخ الشقيق بغير مبرر أو مانع شرعي سوى اختلافهما بالمذهب.

وأوضحت بأن قانون الأسرة وفق المادة (12) حدد الولاية: "الولاية في الزواج للعصبة بالنفس على الترتيب التالي: الأب، الجد من الأب، الابن وإن نزل، الأخ الشقيق، الأخ لأب، ابن الأخ لأب، العم الشقيق، العم لأب، ابن العم الشقيق، ابن العم لأب ، إذا استوى وليان في القرب فأيها تولى عقد الزواج جاز، ويتعين من أذنت له المخطوبة، فإن اختلفا ولم تعين المخطوبة انتقلت الولاية إلى القاضي" .

وتشير التميمي إلى أنه لا يحق لولي الأمر أن يمتنع عن التزويج لغير سبب شرعي، وهذا ما جاء في المادة (15) من ذات القانون "لا يجوز للولي أن يمتنع عن التزويج من غير سبب شرعي الأمر الذي يحقُّ معه للمُستأنفة والحال كذلك إقامة الدعوى الابتدائية وذلك بُغية تعيين قاضي المحكمة الموقرة ولياً عليها في عقد الزواج".

ورفعت الشابة دعواها أمام المحكمة الكبرى الشرعية السنية الدائرة الأولى، وتطلب الحكم بتزويجها من الشاب على مذهب أهل السنة والجماعة وعلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الصداق المسمى بينهما وقدره 2000 دينار دون الشبكة، والتي قضت بجلستها 2 أبريل 2017 برفض الدعوى، ولم ترتضِ المستأنفة قضاء ذلك الحكم، ما حدا بها إلى الطعن عليه بطريق الاستئناف.

ودفعت التميمي بمرافعتها أمام المحكمة الاستئنافية العليا الشرعية بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال، إذ بني الحكم على دعامة وحيدة متهاوية ألا وهي أن المتقدم إلى الزواج من المستأنفة ليس على مذهب أهل السنة والجماعة إنما هو على المذهب الجعفري، بالرغم من أن الشاب أقر صراحةً أمام محكمة أول درجة بأنه ارتضى الزواج من المستأنفة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مذهب أهل السُنَّة والجماعة.

وقالت إن إقرار الشاب أسقط كل أثر لاختلاف المذاهب على عقد الزواج، إذ يكون عقد الزواج أبرم وفقاً لقواعد وشروط أهل السنة والجماعة، ناهيك بأن إقامة قضاء الحُكم على سندٍ من اختلاف المذاهب خاصة في مملكة البحرين وبيننا نحن البحرينيين لا فارق بين سنة وشيعة فجميعنا مسلمين والمستأنفة ليست أول سنية تتزوج من شيعي.

وفي نهاية المطاف نالت الشابة البحرينية حقها بالزواج، بعد أن أنصفتها محكمة الاستئناف العليا الشرعية السنية برئاسة الشيخ وليد المحمود، وعضوية القاضيين الشيخ راشد البوعينين والشيخ د.إبراهيم المريخي، التي قضت بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً بنقل الولاية للقاضي الشرعي وتزويج المستأنفة من الشاب.

وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها بأن المستأنفة ترغب في الزواج ممن تقدم لخطبتها وقد أمتنع جدها وأخيها الشقيق من تزويجها بعد أن انتقلت الولاية لهما على المستأنفة بعد وفاة أبيها، والثابت بأن الخاطب للمستأنفة كفء لها لاتحادهما بالدين.

ولفتت المحكمة لمفهوم مهم جداً وهو أن الكفاءة في الدين هو الأمر المعمول عليه في التزويج، ومنه يتضح أن محكمة أول درجة قد جانبها الصواب فيما قضت به، وعليه تقضى بإلغاء حكم أول درجة ونقل الولاية للقاضي الشرعي في تزويج المستأنفة ممن تقدم لخطبتها وهي ترغب في الزواج منه عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم "السلطان ولي من لا ولي له"، وألزمت المستأنف ضدهما بمصروفات الدعوى و20 دينار مقابل أتعاب المحاماة.