علّ ولادتي في أيام حرب عصيبة ونشأتي في بلد مرت عليه حروب متنوعة وأقصاها حرب أهلية دامية وعاصفة دامت 18 سنة متواصلة وقبلها بالتأكيد حروب تبدلت أسماؤها وتنوعت أنماطها ولكن توحدت نتائجها بين خراب ودمار، قتل وتعذيب وتشريد وتهجير، كان ذلك كفيلاً أن يجعلني شخصاً صلباً أرى كل ما هو غير الحرب بأنه من اليسير التعامل معه. وإضافة إلى الحرب وقساوتها فلعل «لبنان الحبيب» هو البلد الوحيد الذي يصنّف ويعرف «ببلد الطوائف» حيث يوجد به 18 طائفة رسمية عدا عن التشعبات الفرعية. ولا يمكننا أن نغفل عن تناثر التكتلات العرقية والدينية والحزبية وبالتأكيد السياسية ولا ننسى وجود اللاجئين والوافدين والنازحين.

يعني قرارين حاسمين وحازمين لا بد أن تأخذهما كي تتعايش مع وضع أمني قاهر، ووضع سكاني متشعب متدهور، فكل ذلك كفيل أن يعلمك الصبر على ما يدور حولك كي تبني حكمتك المتفردة المبنية على واقع مرير عايشته وعاصرته.

لذا أثناء الأحداث الأمنية في البحرين عام 2011، والأعمال الفوضوية التي قام بها أتباع إيران في البحرين، لم تتأثر علاقاتي الإنسانية بمن كانوا رافضين لتلك الفوضى من الطائفة الشيعية الكريمة لأنهم كانوا حريصين على أمن واستقرار وعروبة البحرين، ورافضين لما يقوم به أتابع «الولي الفقيه»، لذلك فأنا لن أسمح لنفسي أن أخسر أحداً من هؤلاء المخلصين بسبب أمور قامت بها فئة عهدت على نفسها زعزعة الأمن ونشر العبثية.

لذا كان ومازال يؤسفني الحال، تجاه من خسروا أصدقاء جمعتهم طفولة بريئة، وجيراناً كانت توحدهم المواقف المفرحة والأليمة في الوقت نفسه، وأصبت بإحباط على بيوت هُدّمت بسبب وقع الطلاق الذي كان نتيجة اختلاف وجهات نظر بين الرجل وزوجته وأسفر عنه ضياع أولاد وتشتت عائلة.

الأيام سارت ومعها أزمات الأمس عدّت ومَشَت ولكنها رجعت إلينا باختلاف سياسي أكبر يتمثل بالأزمة الآنية مع قطر والتي يؤكد فيها قادتنا بأنها بسبب سياسة النظام القطري وليس لأهلنا وأشقائنا من الشعب القطري الشقيق الذي تجمعنا معه علاقة نسب أيضاً علاقة فيها، فكيف سيكون الحال؟ فبشكل تلقائي ظهر على سطح شخصيتي كل ما عشته وعايشته وتربيت عليه وعاصرته حيث إن «الطبع غلب التطبع» فعلاقاتي الإنسانية لم تتأثر مرة ثانية بأي اختلاف واقع وبقيت على ما هي، وإنما على العكس فقد تماسكت واشتدت وحاولت أن تقي نفسها من الفجوة التي تأخذها إلى الهاوية. فمواقفي ووجهة نظري المبنية على قراءة واضحة لما يدور منسجمة مع سياسة بلدي والدول الداعية لمكافحة الإرهاب الأربع المقاطعة لقطر، ولكن هذه المقاطعة يجب أن تبقى بعيدة كل البعد عمن يكنون لي المحبة والصداقة والأخوة لسبب أن ما يجري ويدور حقيقة أنه لا ينفذ بأمرهم بشكل مباشر بل هم رافضون لسبب أو لآخر.

المقصد من كل هذا، أنه لو تمكنا نحن الناس العاقلين من حماية علاقاتنا الإنسانية الشخصية وجنبناها سيئات ما يجول ويدور، فبالطبع ستصبح هذه الأزمة السياسية محصورة، لذا يجب أن نلتفت إلى ما هو أساسي ومهم في أمور حياتنا اليومية وتطوير أنفسنا ولنترك أهل الاختصاص يقومون بما هم أهله ويقوم كل واحد فينا بما هو أهل له.