قالوا: اكتبي عن شيء آخر غير «قطر»، بكرة يتصالحون و«اطلعين انتي بالشينة» اكتبي عن شيء آخر غير السياسة مللناها، اكتبي عن المحبة بين الشعوب، اكتبي عن خليجنا واحد وشعبنا واحد، اكتبي ما يهدئ النفوس وخذي أجراً فينا فقد تعبنا ونحن نخاف ونقلق على أنفسنا وعلى مستقبل أبنائنا، ألا تعلمين أن الصهاينة والأمريكان بودهم تفريقنا، لماذا تصبين الزيت على النار وتزيدينها حطباً؟

أقول: بودي.. قسماً بالله بودي، لدي مخزون كبير من الكتابة التاريخية للزمن الجميل، لدي حس ومزاج عالٍ للفكاهة لم أظهر منه إلا شذرات في المقالات، لدي رغبة في «أدب الذاتيات» ولدي رغبة في الكتابة عن تنمية المهارات الشخصية اكتسبتها من عمر زمني ومن تجارب في الحياة أقل ما يقال عنها أنها كانت «فيلم هندي» منحتني الحياة صدماتها المتكررة، مرة بالقطارة ومرة تركتني كجلمود صخر حطه السيل من عل، أكسبتني صدماتها قدرة على رؤية نصف الكأس «المليان» كما يقال حتى في أحلك الظروف، بودي نقل خلاصتها للآخرين، بل بودي أن أفرغ لكتابة رواية، بدأت أوراقها الـ20 الأولى قبل ستة أعوام وتوقفت حالما اندلعت نيران أزمة الخيانة في وطني عام 2011، ولكنني أرى أولويات ولا أعرف كيف أغض الطرف عنها وأريح وأستريح مثلكم، أول تلك الأولويات وعلى رأسها منطقكم هذا، إنه مخيف ومرعب بالنسبة لي، إنه يعني أن ما حدث سيتكرر طالما أننا نريد أن نتغطى باللحاف في كل مرة وندفن رأسنا في الرمال.

وجود مثل ذلك المنطق الذي تحدثتم به، منطق عدم إدراك الخطر، منطق الرادار المعطل، منطق «مالنا كار» منطق الهروب إلى الأمام، منطق «التخدير» والعيش في بحبوحة الخيال، منطق «الحكومة ابخص» وانتشاره يشكل لي أكبر المخاطر، فالخطر ليس من خيانة داخلية حدثت، وليس من دولة غدرت، إنما الخطر من وجود عقليات كهذه هي أكبر المشجعين وأفضل البيئات لتكرار مسلسل الخيانة والغدر من أي طرف آخر طامع فينا.

عقليات لا تريد أن تصحو ولا تريد أن تعي أن غفوتها مطلب وعز المنى لمن يتربص بنا، وأن من يتمسكن من خصومنا وأعدائنا اليوم ويطلب الصلح قبل أن تنظف طاولتك وتغلق ملفاتك على أكمل وجه، ليس إلا لهدنة يلتقط فيها أنفاسه، منطق من يرى أن الحكومة فقط هي المعنية بالرد وبالدفاع وبالصد عن هذا الوطن، ونحن علينا «طنش تعش» يعني أننا سنتعرض للخيانة عاجلاً وأن موعد «الدوري» القادم بات وشيكاً.

ليس صباً للزيت على النار ما نكتبه، إنما أجراس إنذار ضرورية قد تصم الآذان لكنها توقظك من سباتك، «اصحى يا نايم» معركتنا هي واحدة لم تنتهِ، فمن أحرق البلد كان ممولاً ممن غدر بنا، ونحن اليوم نكمل تنظيف الطاولة، إيران هنا وإيران هناك ومشروعها واحد، قطر مولت الإرهاب الذي دفعت أنت ثمنه، فكيف تريدني أن أغض الطرف؟ ومعركتنا لم تنتهِ بعد، تنظيف الطاولة يستدعي فتح كل الجروح وتنظيفها من القيح، مؤلم لكنه ضروري.

قالوا: لكننا تعبنا من الأخبار المحزنة، تعبنا من هذا الكم من المعلومات التي تصدمنا في إخوة لن، نريد أن نعود كما كنا سابقاً متوحدين في البحرين وفي الخليج العربي.

أقول: نحن أيضاً بودنا أن نعود كما كنا «بحرين واحدة» وخليجاً واحداً، إنما التمنيات لا تحقق لك أماناً ولا تضمن لك استقراراً، ولا تؤمن لك مستقبلاً، وعقلية النوم والخيال والحلم أضاعت شعوباً وأمماً.

قالوا: كيف سنتعايش مستقبلاً مع بعضنا البعض بعد أن أثخنا أجسادنا بهذه الجراحات؟

أقول: كما تعايشت آلاف المجتمعات التي خاضت معارك وأنهتها تحمل آثار الجراح معها وتستمر بل تتوحد أكثر من ذي قبل، والأمثلة أكثر من أن تحصى في شرق هذا الكون وغربه، سنعود بإذن الله خليجاً واحداً وسنعود بإذن الله «بحرين واحدة»، إنما لا بد مما لا بد منه ومؤلم أن تختار النوم وتختار الصمت بادعاء الحكمة! أي حكمة وأنت يخطط وينفذ ضدك مشروع الإلغاء والسقوط؟

لا أحد يختار الألم لا أحد يختار الحزن لا أحد يختار المعارك والحروب، ولكن إن وجدت نفسك في داخل الإعصار مرغماً، إن صحوت وأنت المسالم واكتشفت أنه اعتدي عليك ورسم مخطط للقضاء عليك وأنت نائم، فإنك مجرم بحق نفسك وحق أبنائك إن عدت للنوم مجدداً قبل أن تدافع عن عرضك وشرفك وتؤمن مستقبل أبنائك، إن رأيت وطنك يتعرض للطعن ثم تغاضيت وسكت وعدت للنوم وحلمت وتمنيت، فإنك ستجد نفسك خارج هذا الوطن حتى وأنت داخله، لا خير فيك بعدها ولا رجاء ولا أمل، حينها لن تستطيع أن تنام في عراء الوطن، صمتك ونومك خيانة لوطنك، فاختر موقفك وحدده لتعرف أي مستقبل تريده لأبنائك.