نواصل في الجزء الثالث من المقال، حديثنا عن دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة. فقد أصدرت المحكمة الدستورية العديد من الأحكام التي قضت فيها بعدم دستورية نصوص تشريعية تنظم الحقوق والحريات بسبب عدم تناسبها أو توافقها مع النصوص الدستورية. وكانت تتعلق بحق الملكية وحق التقاضي وحقوق أخرى.

فأصدرت المحكمة الدستورية حكمها بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 8 لسنة 1970 والخاص باستملاك الأراضي للمنفعة العامة بمجمله، وبينت المحكمة في نص الحكم «أن الحماية القانونية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة تفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع عليها ـ في إطار وظيفتها الاجتماعية ـ جوهر بنيانها وألا يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة وجودها وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما يفرغها من مضمونها، ذلك أن صون الملكية الخاصة وإعاقتها لا يجتمعان، وكلما تدخل المشرع مقوضاً بنيانها من خلال قيود ترهقها إلى حد ابتلاعها، كان عمله افتتاتاً عليها منافياً للحق فيها.... والمقرر في فقه القانون الدستوري أنه حين تمارس السلطة التشريعية ولايتها المنصوص عليها في المادة 32/ب من الدستور - وهي تلك المتعلقة باختصاصها الأصيل في سن القوانين ـ فإن سلطتها هذه إما أن تكون سلطة مقيدة، وإما أن تكون سلطة تقديرية. فكلما فرض الدستور قيداً على السلطة التشريعية في ممارستها لاختصاصاتها التشريعية، فإن سلطتها تكون مقيدة بمراعاة القيد الذي فرضه الدستور عليها فلا تستطيع أن تسن تشريعاً تتحلل فيه من القيود التي فرضها، أو أن تنظم موضوعاً على خلافها، ذلك أن تلك القيود التي فرضها الدستور لا تعد مقصودة بذاتها، وإنما يفرضها الدستور لتحقيق مصلحة يراها جديرة بالحماية».

والملاحظ أن المحكمة الدستورية قد حكمت بعدم دستورية مجمل المرسوم بقانون الخاص بالاستملاك للمنفعة العامة وذلك لمخالفته نصوص الدستور، وقد استندت المحكمة في هذا الحكم إلى أن المشرع لم يحدد صور المنفعة العامة التي تجيز الاستملاك، وبالتالي فإنه قد عصف بحق مهم من حقوق الأفراد ألا وهو حق الملكية الخاصة، وإذا أجاز الدستور فرض بعض القيود على حق الملكية فإن هذه القيود لا تبرر الانتقاص من هذا الحق أو إهداره.

وفي ذات الإطار حكمت المحكمة بعدم دستورية بعض نصوص مشروع قانون إنشاء غرفة البحرين لتسوية المنازعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية، فوجدت المحكمة الدستورية في النصوص المطعون بها انتقاصاً من مبدأ استقلال القضاء وضمان حياديته إذ جاء في الحكم «وحيث أن القيود التي فرضها الدستور على المشرع – ومن بينها ضمانة الحيدة- تعتبر حداً لتلك السلطة ترسم تخومها، وتبين ضوابطها، فلا يجوز الخروج عليها، لتظل الدائرة التي لا يتنفس الحق أو الضمانة محل الحماية إلا من خلالها – بعيداً عن عدوان السلطة التشريعية – فلا تنال منها سواء بنقصها أو بانتقاصها من أطرافها». وفي هذا الحكم قد أكدت المحكمة الدستورية على أن القيود التي يضعها الدستور على أي حق من الحقوق هو الحد الذي لا يجوز للسلطة التشريعية أن تتجاوزه. وللحديث بقية.

* أستاذ القانون العام المساعد في كلية الحقوق بجامعة البحرين