عواصم - (وكالات): صوت إقليم كردستان العراق على الاستقلال في استفتاء تاريخي يريد من خلاله الأكراد فتح باب التفاوض من أجل إقامة دولة يناضلون من أجلها منذ قرن تقريباً، لكنه يهدد باندلاع صراع إثر مطالبة البرلمان العراقي لحكومة البلاد بنشر قوات في المناطق المتنازع عليها. وأغلقت مراكز الاقتراع في مدن كردستان والمناطق المتنازع عليها، بينما أعلنت مصادر كردية أن نسبة المشاركة في الاستفتاء بلغت 79 %. ويتوقع أن تصدر نتيجة الاستفتاء الذي تشارك فيه أيضاً محافظة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وكردستان بعد 24 ساعة من إقفال مراكز الاقتراع. وعلى الرغم من أن النتيجة شبه محسومة وستكون لصالح الاستقلال، إلا أن مسعود بارزاني، رئيس الإقليم الشمالي الذي يتمتع بحكم ذاتي، سبق أن أعلن أن الاستفتاء لن يعني إعلاناً تلقائياً للاستقلال، لكنه سيشكل بالأحرى نقطة الانطلاق "لمفاوضات جدية مع بغداد" حول هذه المسألة. وأعلنت محافظة كركوك حظراً للتجول ليلاً بالمدينة بعد استفتاء الأكراد على الاستقلال. من ناحية أخرى، أعلنت وزارة الدفاع العراقية أن الجيش العراقي يبدأ مناورات كبيرة مع الجيش التركي على الحدود المشتركة بين البلدين. ويشارك أكثر من 5 ملايين مقترع في الاستفتاء الذي يجري في المحافظات الثلاث من إقليم كردستان العراق، إربيل والسليمانية ودهوك، كما في مناطق متنازع عليها بين الأكراد والحكومة المركزية العراقية، مثل كركوك وخانقين في محافظة ديالى شمال شرق بغداد. وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة الثامنة صباحاً، وأقفلت في الساعة السابعة مساء. وتوافد الناخبون منذ الصباح إلى صناديق الاقتراع في أربيل والسليمانية، وشكلوا طوابير أمام بعض المراكز. وأدلى بارزاني بصوته في ساعة مبكرة من الصباح في أربيل، وبدا مبتسماً وهو يرتدي الزي الكردي. وقام مقترعون بذبح عجل أمام أحد مراكز الاستفتاء الرئيسية بوسط أربيل، تعبيراً عن فرحتهم. وقال دلكاش عبد الله "محام، 27 عاماً": "جلبت هذا العجل لأن اليوم هو ولادة الدولة، وطبقاً للتقاليد نذبح عجلاً عند الولادة". وقال ديار أبو بكر "33 عاماً" بعد أن انتظر أكثر من نصف ساعة للإدلاء بصوته: "جئت مبكراً كي أكون أوّل شخص يصوت بنعم للدولة الكردية"، مؤكداً أنه "يوم عيد لنا". وفي السليمانية، ثاني مدن الاقليم، توافد الناخبون إلى مركز كانيسكان في شرق المدينة. وقال ديار عمر "40 عاماً" وهو موظف ارتدى أيضاً الزي الكردي: "سننال استقلالنا عن طريق صناديق الاقتراع"، مضيفاً: "إنني فرحان، هذه أول مرة في حياتي أرى استفتاء للاستقلال". وأقيم 12072 مركز اقتراع في عموم إقليم كردستان العراق والمناطق المتنازع عليها. وفي مدينة كركوك، علا التكبير في مساجد المدينة كما في أيام الأعياد. وقالت ابتسام محمد بعد الإدلاء بصوتها: "اقترعت بكل شرف. لو كان لدي 20 إصبعاً لكنت صوتت بالأصابع العشرين من أجل دولتي". لكن في هذه المدينة، الآراء متباينة. وقال متين عبد الله أوجي، وهو مدرس تركماني عمره 42 عاماً: "لم أشارك في التصويت لأنه يشعرني بأن هويتي وقوميتي ومكانتي وتراثي وتاريخي كلها ستضيع". وفي خانقين، كانت أم علي الثلاثينية أول من صوت داخل مدرسة. وقالت: "الاستفتاء سيحدد مصيري ومصير أطفالي، لا نريد الانفصال ولكننا نريد معرفة مصيرنا"، مضيفة "لا نريد عنفاً ولا حروباً"، داعية الدول التي عارضت الاستفتاء إلى تغيير موقفها. ويشكل الاستفتاء الذي دعا إليه الزعيم الكردي مسعود بارزاني رهاناً محفوفاً بالمخاطر. وعبرت دول مجاورة للعراق مثل تركيا وإيران عن رفضها للاستفتاء، خشية أن تحذو الأقليات الكردية على أراضيها حذو أكراد العراق. ويتوزع الأكراد الذين يقدر عددهم بين 25 و35 مليون نسمة بشكل أساسي في 4 دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا. وكان بارزاني اعتبر الأحد أن "الشراكة مع بغداد فشلت ولن نكررها. لقد توصلنا إلى اقتناع بأن الاستقلال سيتيح عدم تكرار مآسي الماضي"، مضيفاً: "توصلنا إلى قناعة بأنه أياً كان ثمن الاستفتاء، فهو أهون من انتظار مصير أسود". في المقابل، أكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الأحد في بغداد أن حكومته لن تعترف بالاستفتاء حول استقلال كردستان. وقال في خطاب موجه إلى الشعب العراقي إن "التفرد بقرارٍ يمس وحدةَ العراق وأمنه ويؤثر على كل مواطنيه وعلى أمن المنطقة (...) هو قرار مخالف للدستور وللتعايش السلمي بين المواطنين ولن يتم التعامل معه ولا مع نتائجه وستكون لنا خطوات لاحقة لحفظ وحدة البلاد ومصالح كل المواطنين". وفي رد فعل مماثل، صوت مجلس النواب العراقي تعبيراً عن رفضه للاستفتاء، على قرار يلزم رئيس الوزراء حيدر العبادي بنشر قوات في المناطق التي استولى عليها الأكراد منذ الغزو الأمريكي عام 2003. وأصدر البرلمان مجموعة من القرارات ضد الاستفتاء، أبرزها "إلزام القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي للحفاظ على وحدة العراق، نشر القوات في كل المناطق التي سيطر عليها الإقليم بعد 2003". ومن الناحية الدستورية فإن الحكومة باتت ملزمة بالامتثال إلى قرار البرلمان. وقال كريم النوري القيادي في منظمة أبرز فصائل الحشد الشعبي، إن "وجهتنا القادمة ستكون كركوك والمناطق المتنازع عليها المحتلة من قبل عصابات مسلحة خارجة عن القانون ولا تلتزم بأوامر القائد العام للقوات المسلحة" في إشارة إلى قوات البشمركة. وتقع المناطق المتنازع عليها خارج المحافظات الشمالية الثلاث التي تشكل إقليم كردستان العراق، وكانت محط نزاع بين بغداد وأربيل. وتضم المناطق محافظة كركوك الغنية بالنفط، ومناطق متفرقة في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين شمال البلاد وواسط في وسط البلاد. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين أنه سيغلق قريباً الحدود البرية مع كردستان وهدد بوقف صادراته النفطية عبر تركيا. وقال أردوغان خلال منتدى في إسطنبول: "هذا الأسبوع سنتخذ إجراءات. سنوقف حركة الدخول والخروج" عند معبر خابور الحدودي، مضيفاً أن صادرات النفط من كردستان العراق ستتوقف حين تقوم تركيا "بإغلاق الأنبوب". وطلبت الحكومة العراقية الأحد من كل الدول أن تحصر التعامل معها في كل العمليات المرتبطة بالنفط. ويبلغ متوسط إنتاج كردستان العراق من النفط 600 ألف برميل يومياً يتم تصدير 550 ألفاً منها إلى تركيا عبر ميناء جيهان. وأغلقت إيران الاثنين حدودها مع كردستان العراق. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي: "بطلب من الحكومة العراقية، أغلقنا حدودنا البرية والجوية" مع الإقليم، واصفاً الاستفتاء بأنه "غير قانوني وغير مشروع". إلا أن وزارة الخارجية الإيرانية عادت وأصدرت بياناً جاء فيه أن "الحدود البرية بين إيران ومنطقة كردستان العراق مفتوحة، هذه الحدود لم تغلق. في الوقت الراهن، إن المجال الجوي فقط مغلق بين إيران وهذه المنطقة". وكانت إيران أعلنت عشية الاستفتاء حظر جميع الرحلات الجوية مع كردستان العراق حتى إشعار آخر. وتثير الضغوط التي يمكن أن تخنق إقليم كردستان اقتصادياً، قلق الناخبين الأكراد، رغم حماستهم لإجراء الاستفتاء.