أدت حملة استقلال كاتالونيا إلى هجرة عشرات الشركات منه في ظل تصاعد الشكوك حيال اقتصاد إقليم يعتبر أحد أغنى مناطق اسبانيا، رغم مديونيته الكبيرة واعتماده على التجارة مع الاتحاد الأوروبي ومدريد.

وتشكل المنطقة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي خمس الناتج الإجمالي الوطني كما إنها أكبر المصدرين في إسبانيا. ولكن نظراً لاستمرار أسوأ أزمة سياسية تشهدها البلاد فإن هناك مخاوف من أن تسعى الشركات للانتقال إلى مناطق أكثر استقراراً.

وقال إيناثيو سانز الخبير المصرفي في كلية مختصة بالأعمال في برشلونة لوكالة فرانس برس، "للعودة إلى كاتالونيا يجب أن تكون واثقاً تماماً من وجود الاستقرار. وقد يستغرق ذلك عدة سنوات". وقد نقلت ما لا يقل عن 40 شركة كبيرة ومتوسطة الحجم مقراتها القانونية من الاقليم، وضمنها ثالث أكبر بنك "كايكسابنك"، وشركة الطاقة العملاقة "غاز ناتشورال" وشركة "إبريتيس" المختصة بتحصيل الاموال على الطرق السريعة. ورغم عدم الإعلان عن خسائر كبيرة في الوظائف، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت كاتالونيا المستقلة يمكنها الاعتماد على ايرادات الضرائب من شركات مغادرة. من جهته، قال اريك دور مدير الاقتصاد في مدرسة مختصة بالادارة في باريس لفرانس برس "في حال استمرار ما حدث في الاسابيع الاخيرة، فان ذلك سيدفع بالحكومة الكاتالونية الى مواجهة واقع أن الشركات الكبرى تغادر. هذا الامر يعد كارثيا بالنسبة لعائدات الضرائب". ويقول الانفصاليون إن كاتالونيا تساهم في دعم الاقتصاد الإسباني، وتدفع الضرائب أكثر مما تحصل من الاموال. ويعتقدون أن الاستقلال سيسمح للمنطقة بالازدهار. وتبقى كاتالونيا المقصد السياحي الأبرز في إسبانيا، وقوة صناعية كبرى ورائدة في مجال الأبحاث والتطوير والنشر والتكنولوجيا الجديدة. لكن ديونها تبلغ 76،7 مليار يورو، تعود في معظمها الى مدريد، كونها غير قادرة على الاقتراض مباشرة من الأسواق المالية. وقال نايثن جونز الخبير في شؤون اسبانيا وأستاذ العلوم السياسة في جامعة نوتنغهام ترينت البريطانية "من غير المعقول أن تقوم حكومة رئيس الوزراء ماريانو راخوي بكل بساطة بالغاء هذه الديون في حال انفصال كاتالونيا عن إسبانيا". كما إن الأزمة تترك تاثيراً على إسبانيا أيضاً. وقد حذرت نائبة رئيس الوزراء سورايا ساينز سانتاماريا الجمعة من الازمة "تشكل تهديدا" لتعافي البلاد من ألازمة المالية. -مشكلة الاتحاد الاوروبي- يشدد رئيس كاتالونيا كارليس بوتشيمون على أن إقليمه المستقل سيكون عضواً اقتصادياً نشطا في الاتحاد الأوروبي. إلا أن بروكسل أعلنت مراراً أن كاتالونيا ستكون خارج التكتل تلقائياً إذا انفصلت وستكون مضطراً إلى الانتظار لقبولها، ومن المؤكد أن مدريد ستعارض جهود انضمامها. وقال دور إن كاتالونيا مستقلة تدخل الاتحاد الأوروبي، سيكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 28 ألف يورو، أي في المرتبة 12 بين الدول الأعضاء. وأضاف "يمكنها بذلك أن تكون دولة قابلة للحياة". لكن جونز يشير إلى عدم وجود "حتمية" تؤكد أن كاتالونيا المثقلة بالديون ستفي بمعايير العضوية، بما في ذلك تبني اليورو، حتى لو تم التغلب على العقبات السياسية. وقال "كل هذا من شأنه أن يترك كاتالونيا معزولة عن الشركاء التجاريين الرئيسيين والمدينين بشدة للحكومة الإسبانية، ما سيضعف اقتصادها كثيراً". وذكرت صحيفة "كونفيدنسيال" الجمعة أن "موبايل وورلد كونغرس"، تجمع لشركات الاتصالات العالمية ومصدر رئيس للإيرادات السياحية، يفكر في تأجيل مؤتمره الذي سيعقده عام 2018 فى برشلونة -"قلق كبير"- وأعلنت وكالة التصنيف "ستاندرد اند بورز" التي تدرس خفض مستوى كاتالونيا أن المنطقة معرضة للكساد في حالة استمرار الخلاف حول الاستقلال. وأكد لوبي اقتصادي أن كاتالونيا "تأثرت بشكل كبير بسبب الشركات التي تنقل مقارها وإلغاء استثمارات جديدة وتراجع الحجوزات السياحية ونظرة عامة لعدم اليقين والقلق الكبير". وتحاكي هذه الأزمة الاضطراب الاقتصادي الذي عانت منه مقاطعة كيبيك خلال محاولتها الانفصال عن كندا اأبان السبعينات والثمانينات. وأسفرت مغادرة الشركات كيبيك عن حلول تورونتو محل مونتريال كالقوة الاقتصادية الابرز في كندا. وقال بوتشيمون الذي أعلن الاستقلال الثلاثاء لكنه علق ذلك في انتظار محادثاته مع مدريد أمام النواب المحليين أن الانفصال لن يكون له "تأثير حقيقي على اقتصادنا". واتهمت دي سانتاماريا بوتشيمون بأنه "يضر بشكل خطير باستقرار كاتالونيا الاقتصادي". لكن عدداً من المحللين، وضمنهم خوان فرناندو روبلز أستاذ الاقتصاد في إحدى جامعات مدريد، أعربوا عن الخشية ازاء ان تستغرق استعادة ثقة المستثمرين وقتاً طويلاً حتى لو لم تنفصل كاتالونيا. وقال روبلز إن "الاستثمارات الاجنبية تراجعت وبالتالي فإن الاستثمارات المحلية تعاني. سيكون هناك وقت طويل قبل عودة الثقة".